تعدّ مهنة خراطة الخشب وصناعة ديكورات المنازل الخشبية والآرابيسك من المهن التراثية القديمة في مدينة "بانياس"، التي استحوذت على اهتمام الحرفي "جميل ريبا" لصناعة مجسمات السفن المنقرضة والأثاث المنزلي، والهدف المحافظة على ميراث العائلة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30 آذار 2019، الحرفي "جميل محمد ريبا" ليحدثنا عن مهنة خراطة الخشب وما يمكن تقديمه من خلالها كمنتج تسويقي له رواج، حيث قال: «أعمل بهذه الحرفة منذ خمسة وثلاثين عاماً، وقد ورثتها من والدي الذي عمل بها أكثر من سبعين عاماً، وهو بدوره ورثها من عمه أحد أهم حرفيي خراطة الخشب في محافظة "طرطوس"، حيث كان العمل فيها يدوياً يعتمد على تحريك دولاب صغير بواسطة القدم موصول بمربط يثبت قطعة الخشب ويحركها لتبدأ الدوران على نفسها، ويبدأ بواسطة أدواته (أزاميله) بنحت الكتلة الخشبية مشكلاً المجسمات التي يرغب بها، وهذه التفاصيل أذكرها تماماً لكوني تعلمت الحرفة، وهي قائمة من دون تحديث أو إدخال المحركات إليها.

المهنة التي تعلمتها من والدي ومراقبته خلال العمل بالنظر أصبحت مورد رزقي وعمل أبنائي، لذلك حافظت على الأدوات التراثية التي كانت قيد العمل وأدخلت إليها أزاميل فولاذية مصقولة أحضرتها من "مصر"، كما عملت بها في "لبنان" بعد أن تمت متابعة أعمالي واستدعائي للعمل بالأرابيسك العربي هناك، حيث عملت بأقسى أنواع الخشب وهو الزان

وأذكر أن تلك المرحلة كانت ممتعة بالنسبة لي، ودفعتني إلى ترك التعليم المدرسي لتعلمها وإتقانها، فقد كانت شغفاً بالنسبة لي، خاصة أن المجسّمات التي كنت أصنعها تلاقي رواجاً بين الناس لكونها مرتبطة بالبيئة البحرية التي ننحدر منها.

سفينة قديمة من أعمال الحرفي جميل ريبا

فمن خلالها صنعت مجسمات السفن القديمة التي شاهدت صورها في الكتب التاريخية القديمة، وسوقتها فقط بطريقة بسيطة عبر عرضها ضمن ورشتنا القديمة الكائنة سابقاً ضمن ساحة "السمك"، فأغلب النجارين المتعاملين معنا أقتنوا منها لكونها غير مسبوقة.

وقد عُرفت عائلتنا بهذه المهنة وكانت مقصد أغلب النجارين من خارج المدينة لدقة العمل وأفكاره المتجددة التي لاقت رواجاً بين الناس».

الحرفي جميل ريبا

تعلّم الحرفي "جميل" مهنة خراطة الخشب بالخفية عن والده الذي كان حريصاً على سلامته من مخاطر العمل بالأزاميل الحادة، وهنا قال: «عندما كنت صغيراً، كنت أتحين فرصة ذهاب والدي إلى المسجد لأداء الصلاة، فأبدأ التجريب والتخريب حتى أتقنت العمل الذي كان كثيفاً بحكم عدم وجود مخرطة خشب أخرى، وهذا دفعني بعد تسلمي زمام العمل لتطوير آلية العمل وإدخال المكنات الحديثة إليه، فاستبدلت التحريك اليدوي للدولاب والكتلة الخشبية بمحركات كهربائية قوية؛ وهو ما أسهم بتخفيف الجهد وقدم حجم إنتاج كبير بزمن قياسي مقارنة مع التحريك اليدوي».

وعما يمكن صناعته بحرفة خراطة الخشب قال "ريبا": «محبة هذه الحرفة دفعتني إلى خراطة أي شكل أو مجسم يعجبني وخاصة مجسمات السفن القديمة، لكن بشكل مصغر يمكن أن توضع في المنازل كديكورات، وكذلك قدمت من خلالها مشاريع التخرج لطلاب الهندسة.

حافظات ماء من أعماله

ومن أهم ما يمكن صناعته الأرابيسك العربي التراثي، وكذلك تيجان أطقم الجلوس للصالونات وغرف النوم، وهذه بالذات تحتاج إلى جهد ووقت طويل لإنتاجها بكون العمل فيها لا يحتمل الخطأ، وإلا فالعمل غير مقبول.

ولكوننا أبناء الساحل، ويجب أن يكون أي عمل نقوم به مرتبط بالبحر ابتكرت صناعة الثريات من "ضومان" السفينة (المقود)، وكذلك بالنسبة للياطر "المرساة" التي شكلت من خلالها ساعة حائط، وشكلت فيها الفوانيس وحافظات الماء التراثية التي كانت تستخدم في القديم بين البحارة».

أدوات العمل (الأزاميل) يجب أن تكون ذات نوعية مميزة ومن معدن الفولاذ المصقول بحسب ما قال، وأضاف: «المهنة التي تعلمتها من والدي ومراقبته خلال العمل بالنظر أصبحت مورد رزقي وعمل أبنائي، لذلك حافظت على الأدوات التراثية التي كانت قيد العمل وأدخلت إليها أزاميل فولاذية مصقولة أحضرتها من "مصر"، كما عملت بها في "لبنان" بعد أن تمت متابعة أعمالي واستدعائي للعمل بالأرابيسك العربي هناك، حيث عملت بأقسى أنواع الخشب وهو الزان».

وفي لقاء مع الحرفي "محمد العاتكي" أكد أن أعمال "جميل ريبا" موجودة في أغلب المنازل من خلال وجود الأثاث المنزلي الذي نصنعه ويتدخل هو فيه بحرفته اليدوية، وتابع: «في كل طقم صالون ننجزه تكون للحرفي "جميل" بصمته النحتية فيه، فأغلب الزبائن يطلبون أعمال خراطة يدوية ضمنه، وكذلك بالنسبة لغرف النوم، أما بالنسبة للديكورات، فنرى لديه الساعات الخشبية والثريات والسفن التي تلقى رواجاً كبيراً بين محبي التحف؛ إذ إن حرفة خراطة الخشب هي الوجه الآخر للنحت الذي ينجز تشكيلات جميلة ومعبرة، لكنها تدخل في الأثاث، والحرفي "جميل" ورثها من عائلته وأدخل إليها التعديل المهم».

يشار إلى أن الحرفي "جميل ريبا" من مواليد "بانياس" عام 1960، متزوج ولديه خمسة أبناء.