تعدّ حصيرة "البردة" من الأدوات التراثية التي كانت موجودة في كل منزل، لكنها في الوقت الحالي تحولت إلى زينة توضع على الجدران، واستخدمها آخرون للوقاية من أشعة الشمس.

هذا المنتج التراثي الذي وصل إلينا ونشاهد طريقة صناعته في المعارض التراثية، لم يكن إلا وليد حاجة سخّر أهالي الساحل المقيمون بجانب الأنهار كل مكونات طبيعتهم لإنتاجها، كما قال الحرفي "يوسف الأطرش" الذي امتهن صناعة "البردة" منذ كان في السادسة من عمره، وتابع لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 أيلول 2018: «كل مدة يعود الناس بذاكرتهم إلى التراث ويستحضرون منه أشياء معينة للزينة بمكوناته التي كانت قائمة أيام الأجداد، وفي أيامنا هذه نرى أن الناس يقبلون على حصيرة "البردة" المصنوعة يدوياً، لأنها مكون منتج من مواد طبيعية لها خصائصها الطبيعية الجمالية منها والجسدية أيضاً، وهذا المنتج منه ما هو موجود منذ عشرات السنين، ومنه ما هو مصنوع حالياً. وما يلفتني أن معظم الناس لا يعلمون استخدامات "البردة" سابقاً».

هذه "البردة" يمكن أن تصنع منها حبالاً قوية ومتينة استخدمت في السابق لربط محصول القمح على المواشي، لأنها أكثر تماسكاً، ولم يكن يتوفر غيرها

ويضيف: «يستحضرونها ليعلقوها على جدران صالوناتهم وهم سعداء بها، وهذا أعاد الألق إليها من جديد بعد أن كادت تندثر، فشهرياً يطلب مني صناعة حصر "بردة" وبقياسات مختلفة، وهذا يشعرني بالسعادة لعودتها إلى الواجهة الشعبية من جديد».

يوسف الأطرش

وبالنسبة للفوائد الجسدية التي ذكرها، أوضح بالقول: «في السابق استخدمها الإنسان كغطاء فوق "البلان" الموضوع على (العرزال) المخصص للنوم؛ وهو ما أكسبه راحة خلال عملية النوم، وجعلها أكثر صحية نتيجة تأقلمها مع طبيعة الجسد وعزلها للرطوبة في الشتاء».

حصيرة "البردة" مكونة من القصب النهري الثخين المسمى شعبياً "البرد"، والرفيع المسمى شعبياً أيضاً "السعيدي"؛ وفق ما قال الحرفي "يوسف"، وأضاف: «هذه "البردة" يمكن أن تصنع منها حبالاً قوية ومتينة استخدمت في السابق لربط محصول القمح على المواشي، لأنها أكثر تماسكاً، ولم يكن يتوفر غيرها».

طريقة حياكة حصيرة البردة

وعن طريقة صناعة حصيرة "البردة" قال: «أساس العمل بالحصيرة هي عملية جدل "البردة" مع "السعيدي"، حيث تجدل في البداية عدة أوراق بعضها مع بعض، وتوضع ضمنها أوراق "سعيدي" لتشكل حبلاً ثخيناً يسمى شعبياً الملك لقوته، وهو يحيط بكامل أطراف الحصيرة، ثم نبدأ عملية جدل "البردة" بعضها مع بعض بشكل متجانب لتشكل الصف الأول، ونتابع بذات الطريقة لنصل إلى الطول المطلوب بحسب ذوق الزبون وقدراته المالية، فمنهم من يريدها بطول متر، ومنهم من يراها أجمل في صالونه بطول أكبر».

ربة المنزل "جمانة أمون" تقول: «هي ليست بالحرفة البسيطة؛ لأنها تحتاج إلى أشهر لصناعتها، لذلك يكون الطلب عليها كبيراً والإنتاج قليلاً، وهذا انعكس على سعرها المرتفع، وعلى الرغم من هذا، فكثيرون من الناس يرغبون بالحصول عليها، فهي تعدّها قيمة جمالية وتراثية يجب توفرها في كل منزل استحضاراً للتراث».

حصيرة البردة

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" أكد أن حصيرة "البردة" استخدمت في السابق كمفرش يوضع على الأرض ليوضع فوقه الطعام، وأضاف: «"البردة" نبات قصبي طبيعي طويل له أوراق عريضة و(سيفية)، ينمو على ضفاف الأنهار وجوانب المسيلات المائية، لذلك قبل العمل به يجب وضعه بالماء لعدة ساعات ضمن وعاء، فيصبح مرناً يمكن التعامل معه بسهولة ومن دون تكسر.

وفي الوقت الحالي يوجد إقبال على اقتنائه لجماله، ومنهم من يرى فيه نوعاً من الطاقة الإيجابية في المنزل، علماً أن هذا الأمر غير مثبت علمياً».