ينضج اللوز في قرية "الجريصية" أواخر شهر تشرين الثاني في ظاهرة تكاد تكون فريدة مقارنة مع بقية القرى المحيطة، ولهذا عدة عوامل تكاملت بعضها مع بعض، بدأت بالتربة، وانتهت بالمزارعين المهرة.

إن انتاج اللوز في "طرطوس" صفة عامة لأغلب المزارعين، لكن أن ينتج في شهر تشرين الثاني من كل عام في قرية "الجريصية" بريف "بانياس" فهذا يدعو إلى التساؤل والبحث عن التفاصيل، وهنا كان لمدونة وطن "eSyria" زيارة إلى القرية بتاريخ 28 كانون الأول 2017، ولقاء المزارعين للتعرف إلى زراعة هذه الشجرة المثمرة وإنتاجها المبكر، والبداية مع المزارع "جابر قاسم"، الذي أكد أن إنتاجه ظاهرة في القرية وحالة تميز للعمل الدوؤب، وتابع: «ينتج اللوز لدينا منذ زمن بعيد؛ أي إنها شجرة لها وجودها مع وجود الاستيطان البشري، وأظن أن زراعتها مرت بحالات تجدد عديدة، لأن طبيعتها لا تحتمل العمر المديد، بل يقال إنها غير معمرة كما أشجار الزيتون مثلاً أو الجوز، وهذه الزراعة القديمة أكسبت المزارعين خبرة في التعامل معها والعناية بها.

في شهر تشرين الأول تبدأ أشجار اللوز نتيجة قوة خصوبة التربة الإزهار، وفي شهر تشرين الثاني ونتيجة الرياح الشرقية تكون في معظمها ملقحة وجاهزة للنمو، وفي أواخره وبداية شهر كانون الأول تكون الثمار جاهزة للقطاف والتسويق، وهذه المراحل ثابتة في كل عام وليست طفرة لعام واحد فقط

تبدأ عمليات العناية بالأشجار بعد موسم القطاف الأساسي؛ أي في شهر أيار، وتكون البداية بعملية تنظيف الأشجار من البقايا المتكسرة والميتة من الأغصان والناتجة عن عمليات القطاف واحتكاك الأجسام بها، وهذه بداية لعملية تقليم منظمة ودقيقة تبدأ أواخر شهر كانون الثاني حتى شهر شباط، حيث تكون الفروع والأغصان غير فتية وتوقفت فيها الدورة الحياتية بسبب ثبات شتوي».

محمد فياض

ويتابع في توضيح عمليات العناية بأشجار اللوز وفق الطقوس التراثية في قريته "الجريصية": «زراعة أشجار اللوز لدينا أساسية كما زراعة أشجار الزيتون، وتعدّ زراعة تراثية متوارثة وفق طقوس خاصة، منها التعاون والمحبة التي تؤثر بالأشجار إيجاباً، فيجتمع أفراد العائلة لعمليات التسميد بـ"السواد" الطبيعي ونقله حملاً أو على ظهر المواشي إلى مكان الأشجار في السفوح والوديان، وكذلك حين التسميد بالأسمدة الكيميائية، لتعقبها عمليات الرش بالمبيدات الحشرية والمركبات الكيميائية المغذية والوقائية الدورية، مهما كانت بعيدة تلك الأشجار عن المعابر وصعبة الوصول؛ أي في السفوح الجبلية المنحدرة».

"محسن قاسم" من مزارعي القرية، قال: «جميع الأهالي يعتمدون العمل الزراعي في معيشتهم الأساسية إلى جانب بعض الوظائف الحكومية، وهذا أدى إلى زراعة متميزة حققت عائدات كبيرة لهم، ومن أهمها اللوز الذي يثمر مرتين في العام نتيجة الطبيعة المناخية وخصوبة التربة السوداء الغنية بالمعادن المهمة، ويسمى الإنتاج الثاني لها في العام الواحد "رجعي"، ويكون في شهر تشرين الأول كأزهار، وشهر تشرين الثاني كثمار، وتقدر كميات الإنتاج بمئات الكيلوغرامات، وقد تصل إلى عدة آلاف منها، وهذا الإنتاج متميز في القرية ويدر عليها عائدات مالية جيدة، حيث يصل الكيلوغرام منها إلى ما يزيد على عشرة آلاف ليرة سورية.

أزهار اللوز

حتى إن إنتاج الموسم الأساسي في شهري نيسان وأيار الذي يقدر بمئات الأطنان يكون في وقت أبكر بخمسة عشر يوماً عن بقية إنتاج القرى المجاورة، وأذكر أن إنتاج القرية في الموسم السابق كان نحو عشرين طناً يومياً بحسب سجلات التجار، وبعض المزارعين بلغت عائداتهم المالية منه عدة ملايين؛ وهذا يعني أنه موسم زراعي أساسي تراثي يُعتمد عليه في الحياة المعيشية، وينال أكبر وسائل الرعاية والعناية اللازمة».

تتعرض القرية إلى رياح من مختلف الاتجاهات الشمالية والشرقية والبحرية، ومنها ما ساهم في عملية تلقيح أزهار اللوز باكراً أو ما تعرف بالتشرينية، وهي الرياح الشرقية الخفيفة، بحسب حديث "محمد فياض" من مزارعي القرية، الذي قال: «في شهر تشرين الأول تبدأ أشجار اللوز نتيجة قوة خصوبة التربة الإزهار، وفي شهر تشرين الثاني ونتيجة الرياح الشرقية تكون في معظمها ملقحة وجاهزة للنمو، وفي أواخره وبداية شهر كانون الأول تكون الثمار جاهزة للقطاف والتسويق، وهذه المراحل ثابتة في كل عام وليست طفرة لعام واحد فقط».

محسن قاسم

ويتابع: «في مقارنة بين أشجار اللوز والزيتون، يمكن القول إن الأولى تلقى العناية والرعاية أكثر من الزيتون؛ لأن موسمها قصير وقريب ومردوديته مباشرة على المزارعين، حيث يبلغ حجم الإنتاج اليومي منها عشرات الأطنان في مرحلة الذروة، ويستمر نحو خمسين يوماً تقريباً، وعمليات التسويق تكون بواسطة أكياس خاصة تسلم للتاجر الذي يوضبها بواسطة عبوات فلينية للتسويق خارج المحافظة».