نتيجة الحاجة إلى التأقلم مع أمراض التربة التي باتت أمراً واقعياً يعانيه مزارعو البيوت المحمية، ويؤثر في المردودية الإنتاجية الزراعية سلباً، كان التطعيم على الأصول البرية المُقَاومة الحل لزيادة نسبة الإنتاج أربعين بالمئة.

الفكرة الرئيسة جاءت من أهمية إيجاد حلول لمشكلات التربة المتعددة التي تصيب المجموع الجذري وتمنعه من امتصاص الغذاء الكافي والكامل لمتابعة حياة الشتول؛ وأهمها البندورة المزروعة في البيوت المحمية، وفق رأي المزارع وصاحب مشتل زراعي يقدم شتولاً مطعمة "سليمان ساره"، ويقول: «التطعيم عبارة عن متابعة إنبات أي نبات يتم اختياره على نبات آخر شرط أن يكون من ذات الفصيلة النباتية، ويقال له نبات الأصل، ويمتلك مقاومات حياتية كبيرة لمشكلات التربة كـ(الفوزاريوم والنيماتودا)، التي باتت أمراً واقعياً في تربتنا الزراعية لعدم التمكن من إتمام دورة زراعية متكاملة، علماً أن النبات الأصل يصاب بهذه الأمراض ولكنه يقاوم ويتعايش معها نتيجة مجموعه الجذري القوي والكبير.

خلال إحدى التجارب الزراعية كان المجموع الجذري القوي كبيراً جداً، وقد وصل طوله إلى ما يزيد على 165 سنتيمتراً، وهذه مفارقة لم تحدث سابقاً طوال مدة زراعتي للبندورة أثرت في عمر النبات إيجاباً، ومنحته قوة إنتاجية إضافية

وهنا يمكن اختيار أي نوع أو صنف من النبات المراد زراعته كالبندورة البلحية، أو الكرزية، أو ذات الثمرة الكبيرة أو الصغيرة والقاسية، وتطعيمها على الأصول البرية للحصول على شتول مطعمة مقاومة لمشكلات التربة؛ لأن هذه الأصول البرية يتم التعامل معها بطريقة علمية منهجية ضمن مخابر خاصة، والنتيجة الحصول على نبات أكثر مقاومة وأفضل إنتاج معتمدة على قوة مجموعها الجذري الذي يستطيع امتصاص كمية كبيرة من الغذاء؛ وهو ما يعني عمراً أطول للنبات حتى لو أصيب هذا المجموع الجذري بأمراض التربة، وهو ما يحقق إنتاجاً إضافياً».

المزارع سليمان ساره

وعن قوة المجموع الجذري الذي اختبره بمزرعته الخاصة، يقول: «خلال إحدى التجارب الزراعية كان المجموع الجذري القوي كبيراً جداً، وقد وصل طوله إلى ما يزيد على 165 سنتيمتراً، وهذه مفارقة لم تحدث سابقاً طوال مدة زراعتي للبندورة أثرت في عمر النبات إيجاباً، ومنحته قوة إنتاجية إضافية».

أما المزارع "باسم سمعان" من منطقة "الخراب"، فيقول: «إن همّ المزارع الحصول على مردودية إنتاجية عالية، ومع مشكلات التربة باتت أمراً واقعياً في كثير من الظروف، وهذا حققته من خلال إنبات عدة فروع لشتلة البندورة الواحدة، وهذا لا يحدث عادة، وذلك بالاعتماد على قوة المجموع الجذري في الشتول المطعمة القادر على تلبية حاجة النبات من الغذاء الكامل بكل سهولة، ليبقى عليّ كمزارع مكافحة الأمراض الهوائية؛ أي أمراض ما فوق التربة التي يمكن السيطرة عليها بكل سهولة».

المزارع باسم سمعان يراقب إنتاجه الوفير بعد التطعيم

ويضيف: «التكلفة الزراعية في الشتول المطعمة مرتفعة مع تكلفتها في الشتول العادية، ولكنها متدنية مقارنة مع كمية الإنتاج والعمر الأطول لتلك الشتول المطعمة؛ وهذا ما يمكن اعتباره قيمة مضافة لموسم زراعي لشتول مطعمة، وهنا يجب عليّ كمزارع أن أدرك أمراً مهماً؛ وهو معرفة اختيار الأصول الجيدة في ظل المنافسة بالأسعار بين المشاتل، وتقديم أصول بمقاومات مختلفة ومتباينة».

وفي لقاء مع المهندس الزراعي "نور الدين حيدري" المختص بهذا النوع من الزراعات، يقول: «مزارعو المنطقة الساحلية وخاصة في "طرطوس" يدركون تماماً أهمية خصوبة ودفء المنطقة السهلية الواقعة ما بين الشواطئ البحرية والجبال، التي تعدّ بوجه عام صغيرة جداً مقارنة مع الاستثمارات الزراعية فيها، فالأفضلية فيها للزراعات المبكرة أو الزراعات المعوضة؛ أي زراعات تنتج في زمن لا يمكن الزراعة فيه في بقية المحافظات أو الزراعات التكثيفية من دون الاكتراث بأهمية الدورة الزراعية، وتعدد الأصناف والأنواع ضمنها، وذلك ضمن زمن قياسي وقصير ولعدة مرات للنوع والصنف الواحد؛ وهو ما يعني المساعدة والمساهمة في خلق مشكلات محددة ضمن التربة، مثل: "الفوزاريوم"، و"النيماتودا"، وغيرهما.

مشتل تطعيم

فهناك حلّان في هذه الزراعة التكثيفية المنتجة لأمراض التربة؛ الأول بالمعقمات الكيميائية وله آثار مضرة بالصحة، والثاني التطعيم وهو الحل الأفضل والأجدى، وذو مردودية إنتاجية عالية ومقاوم للأمراض، وقد بات حلّاً ناجحاً يلجأ إليه المزارعون في أغلب الزراعات، وأهمها المحمية».

وعن عملية التطعيم، يقول: «هي عملية التحام الأوعية ما بين نباتين؛ الأول يسمى الأصل البري المقاوم لأمراض التربة، وذو مجموع جذري قوي. والثاني يسمى "الطعم" من بندورة أو باذنجان أو فليفلة أو حتى بطيخ، شرط أن يكون الطعم والأصل من فصيلة نباتية واحدة، ويستخدم فيها أدوات خاصة، منها الملقط لتثبيت الأصل مع الطعم بعد قص كل منهما بزاوية خمسة وأربعين درجة، وجمعهما أحدهما مع الآخر لتأمين حالة التحام تام بينهما، ونسبة النجاح تفوق خمسة وتسعين بالمئة».

ويتابع: «بعد التطعيم توضع الشتول في نفق مظلل يؤمن رطوبة وتدفئة معينة نحو سبعة أيام، ثم توضع في نفق آخر يسمى "نفق التقسية" نحو أربعة أيام فتكون جاهزة للزراعة في التربة، بنسبة مقاومة لمشكلات التربة تصل إلى أربعين بالمئة، تنعكس على زيادة في الإنتاج أيضاً بنسبة مرتفعة، والأهم خلق فرص عمل باختصاصات جديدة، منها المشتل المتخصص بالتطعيم».