تكاد تكون حرفة الميكانيك في مدينة "طرطوس" الصناعية بأوج عطائها وفائدتها لأبناء المحافظة، سواء للراغبين بأعمال الصيانة؛ أو الراغبين بتعلمها على أيدي أمهر مختصيها الذين وفدوا إليها نتيجة الظروف الحالية.

فالسائق "إبراهيم علي" يقصد المدينة الصناعية في "طرطوس" دائماً لإجراء الصيانة لسيارته، ويرى أن الازدحام الحاصل في المدينة الصناعية خير دليل على ازدهارها بعدما وفدت إليها خبرات من مختلف المحافظات، وخاصة من محافظة "حلب"، وهنا قال: «في البداية بحثت كثيراً عن حرفي ماهر لأثق به لمساعدتي في كل عطل ميكانيكي يحصل معي، وكان اختياري جيداً، لكن الآن بعد قدوم حرفيين من محافظات أخرى ومنها "حلب" جربت الاستعانة بخبرتهم، فعندما أعجز عن صيانة عطل ما، وخاصة إن كانت تحتاج إلى ابتكار قطع تبديل أو صيانة دقيقة، أذهب إلى خبرة حلبية لأنهم يملكون القدرة على إعادة ترميم أي قطعة معطوبة أو حتى صناعتها من جديد، وهذا أمر قد يوفر عليّ في هذه الظروف الصعبة المال الكثير لشراء قطع غيار جديدة».

من المهم جداً أن يكون العامل الطالب للعمل في الحرفة محباً لها، ليتمكن من الحصول على معلوماتها وخفاياها، فيتمكن من إتقانها

وفي لقاء مع معلم الميكانيك "محمود ملوك" العامل في المدينة الصناعية من حوالي ثلاثة أعوام، قال: «من خلال علاقاتي مع زملاء المهنة من أبناء المحافظة "طرطوس"، وجدت خبرات جيدة ومتفاوتة المهنية، ولكن الخبرات الوافدة، وخاصة منها القادمة من "حلب" المدينة الصناعية الضخمة، أغنت العمل والحرفة هنا بوجه عام، وقدمت خلاصة الخبرات التي تمكن منها الميكانيكيون عبر عدة عقود من العمل لأبناء هذه المحافظة الراغبين بالاستفادة منها.

الشاب خضر محمد حسين

حيث كان السوريون جميعاً يقصدونها من جميع المحافظات إلى "حلب" مسقط رأسها أي الحرفة، للاستفادة منها وتحقيق صيانة ناجحة، وبرأيي هناك أسباب عديدة لهذه السمعة الجيدة للحرفة الحلبية، ومنها الاستمرارية والكم الهائل العامل بها، وحجم العمل الذي يسرع من إتقان الحرفي للعمل، ويجعل منه في خضم مختلف المشكلات وحلولها في زمن قياسي، إضافة إلى توافر القطع التبديلية بكميات وأصناف وأنواع كبيرة، المستوردة أو المصنوعة محلياً وفقاً للحاجة إليها، وهنا بيت القصيد أي التصنيع المحلي وابتكار الحلول للمشكلات.

لكن ما أراه هنا وحصرياً في محافظة "طرطوس" أن الخبرة الحمصية في حرفة الميكانيك مطلوبة أكثر من غيرها؛ لأن الزبون لديه فكرة توافر القطع في "حمص" أكثر من غيرها، إضافة إلى قرب المسافة بين المحافظتين، الذي كان علامة فارقة؛ وهو ما انعكس على الزمن المستهلك لإجراء الصيانة، الذي لم يكن يتجاوز الساعات، على خلاف الصيانة الميكانيكية في محافظة "حلب" التي قد تستغرق يوماً كاملاً أو عدة أيام».

جانب من المدينة الصناعية

ومن ناحية الإقبال للاستفادة من الخبرات الوافدة ومنها الخبرة الحلبية في المجال الميكانيكي، قال: «من المهم جداً أن يكون العامل الطالب للعمل في الحرفة محباً لها، ليتمكن من الحصول على معلوماتها وخفاياها، فيتمكن من إتقانها».

أما الشاب "خضر محمد حسين" من أبناء محافظة "طرطوس"، العامل في محل ميكانيك سيارات في المدينة الصناعية، فقال عن شغفه لتعلم المهنة عند المعلم "محمود": «مهنة الميكانيك سهلة، وأتعلمها على يد خبرة عرفت منذ القدم بجدارتها في هذا المجال، وقد أدركت سابقاً حرفة دوزان السيارات، وهما حرفتان مرتبطتان إحداهما بالأخرى، فحرفة الميكانيك لا تحتاج إلى كثير من الجهد العضلي، بل لأفق فكري ومهارة في التعامل مع المعدات، وسأستفيد من خبرة المعلم "محمود" الذي أعمل لديه، لأنه كريم في توضيح الأفكار والمعلومات التي تكسبني هذه الخبرة، إضافة إلى أنه إنساني في التعامل، وهذا مهم جداً بالنسبة لي».