تزدهر حرفة صناعة الأنابيب البلاستيكية بمختلف استخداماتها، وخاصة منها المسلحة واللازمة للري بالتنقيط، بعدما كانت تفتقر إلى المنافسة الإنتاجية.

إن دخول مصنعي الأنابيب البلاستيكية من مختلف المحافظات، وخاصة منهم الخبرات القادمة من محافظة "حلب"، ساهم بخفض القيمة الشرائية المرتفعة أساساً في الوقت الحالي نتيجة الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد، وهذه الأنابيب برأي المزارع "علي علي" من ريف مدينة "بانياس" مهمة جداً لمحافظة تعتمد على الزراعة في صون عصبها الاقتصادي، وأضاف: «أستخدم أنابيب الري بالتنقيط لبيوتي المحمية، منذ بدأت الزراعة تقريباً، وهذه الأنابيب بحاجة إلى التبديل كل عدة سنوات، وكنت أقصد مدينة "بانياس" لشرائها من الوكيل أو المنتج لها في المدينة، وكانت الأسعار مقبولة وثابتة ولا يمكن التفاوض فيها مع البائع، وهذا ما يمكن أن نسميه التحكم بالأسعار لعدم وجود منافس أو منتج آخر، ولكن بعد دخول مصنعين من محافظات أخرى، ومنهم المصنعون الحلبيون، بدت أقصد المدينة الصناعية في مدينة "طرطوس" لشراء هذه الأنابيب، لأحصل على أسعار منافسة للأسعار المطروحة في مدينتي، أي إن توافر عدة منتجين خلقت حالة من التنافس في الأسعار».

الأنابيب المصنعة حالياً والمدخلة إلى المحافظة لتكون صناعتها محلياً، هي الأنابيب المسلحة بنوعين من التسليح، الأول بخيوط حريرية قوية كما تسمى أو تعرف في سوق الاستهلاك، والثاني مسلح بسلك فولاذي، وهذا التسليح أضاف إلى المنتج المعيارية في المواصفات القياسية العالمية

التنوع في الجودة خلق أيضاً منافسة مرضية للمزارع، وهنا قال مزارع الفواكه الاستوائية في قرية "حريصون" السيد "إبراهيم قاسم": «لكوني أزرع فواكه استوائية؛ فأنا أحتاج إلى المياه باستمرار، خاصة أنني قد حولت شبكات الري إلى شبكات حديثة عاملة بالتنقيط، ولكنها مكشوفة ومعرضة لأشعة الشمس باستمرار؛ وهو ما دفعني للبحث عن أنابيب تنقيط ذات جودة عالية، وجدتها بخبرات صناعية جديدة على المحافظة، ومنها الأنابيب الرئيسة التي ابتعتها مسلحة بخيوط حريرية كما يقال عنها، لتكون قوية ومقاومة لمختلف العوامل الجوية والضغوط العملية، وقد حصلت عليها بأسعار مرضية بفضل المنافسة التي خلقت بوجود تلك الخبرات».

محمد خوجا

وفي لقاء مع الحرفي "محمد خوجا" العامل في حرفة صناعة الأنابيب البلاستيكية منذ اثنين وعشرين عاماً، وهي حرفة بالعموم محصورة ببعض المهتمين بأمور الزراعة والري، قال: «وجود عدة معامل سينتج بالتأكيد منافسة في العمل والجودة والسعر لمصلحة المواطن، وهذا ما حدث بعد دخول معامل آخر إلى المدينة الصناعية، ومنها هذا المعمل المتطور المحدث بطريقة شبه متكاملة.

علماً أن المواد الأولية مستوردة من دول لها وزنها بالإنتاج النفطي، لأن أساس هذه المواد الأولية مشتقات نفطية، وللعلم صاحب المعمل من "طرطوس"، وقد تشجع للعمل بحرفة صناعة الأنابيب في هذه المرحلة لتوافر الخبرات الجديدة الوافدة، وهو ما ساهم بخلق حالة من التنافس والاستمرارية لما بعد عودة الخبرات الوافدة إلى محافظاتها».

حقل زراعي يروى بالتنقيط

أما الصناعي العامل في مدينة "طرطوس" الصناعية؛ السيد "محمود قنواتي" من محافظة "حلب"، فقال: «جئنا إلى المدينة الصناعية لمتابعة العمل وتأمين حاجة السوق من الأنابيب البلاستيكية، واستمرارية العمل بالنسبة لنا، وأحضرنا جميع التجهيزات معنا، لعدم وجود صناعة ضخمة ملبية لحاجة السوق في المحافظة، أي إن أضخم صناعة كانت موجودة هنا ميكانيك سيارات، فلا يوجد معامل صناعية هنا؛ وهذا لعدم توافر اليد العاملة والخبرة المناسبة، علماً أنه يوجد رأسمال جيد ومناسب».

ويتابع: «المشكلة هنا عدم وجود التجهيزات الصناعية التي يمكن الاستفادة منها لبناء معمل أو صيانة تجيهزاته الميكانيكية أو الكهربائية، وهذه القطع متوافرة مثلاً في محافظة "حلب" وبنسب جيدة، ويمكن القول إنها تصنع فيها وفقاً للحاجة إليها.

محمود قنواتي

فمثلاً التجهيزات الميكانيكية والمعدات لدينا في هذا المعمل الصغير، تمت صناعتها وتطبيقها بعمالة وخبرة محلية، أي بيدي أنا شخصياً، مع بعض القطع والتجهيزات المستوردة.

وبرأيي الخبرة الوافدة أنعشت الصناعة الطرطوسية، وشجعت بعض أصحاب رؤوس الأموال على استثمار أموالهم في المجال الصناعي بطريقة لافتة.

حتى على صعيد الحركة المرورية والازدحام في المدينة الصناعية، فقد تضاعفت كثيراً كما لاحظت، مقارنة مع أول دخولنا إلى هنا، وهذا يدفعني للتأكيد أنه حتى لو عدت إلى محافظتي سيبقى لنا فرع هنا يديره أبناء المحافظة».

وعما يقدمه من أنابيب بلاستيكية مدخلة إلى الأنواع المتوافرة هنا، قال: «الأنابيب المصنعة حالياً والمدخلة إلى المحافظة لتكون صناعتها محلياً، هي الأنابيب المسلحة بنوعين من التسليح، الأول بخيوط حريرية قوية كما تسمى أو تعرف في سوق الاستهلاك، والثاني مسلح بسلك فولاذي، وهذا التسليح أضاف إلى المنتج المعيارية في المواصفات القياسية العالمية».

وتشوب هذه الحرفة الصناعية الكثير من الهموم، قال عنها الصناعي "محمود": «التكلفة على سحب الأنابيب البلاستيكية تضاعفت كثيراً، رغم أنها تنتج محلياً هنا، وذلك نتيجة أمور عدة أهمها: قيمة الإيجارات المرتفعة التي ندفعها، والتكاليف الضريبية المرتفعة التي ترتبت عليها نتيجة هذه الظروف الصعبة.

وهذا يدفعني للقول إن استمرار العمل هنا مضنٍ من عدة نواحي، أهمها عدم توافر البنى التحتية المناسبة لعمل مثل هذه المنشأة الصناعية المهمة، ومنها الكهرباء أو المحروقات، على عكس المدينة الصناعية في "حلب" التي تعد نموذجاً للمدن الصناعية».

وفي لقاء مع السيد "منذر رمضان" رئيس مكتب الثقافة والإعلام في "اتحاد حرفيي طرطوس"، قال: «ساهمت الخبرات السورية الوافدة إلى "طرطوس" في إنعاش بعض المهن والصناعات التي لم تكن موجودة بالأساس، وأدخلتها ساحة المنافسة، ومنها صناعة الأنابيب البلاستيكية باختصاصاتها المتعددة، علماً أن رأس المال والتصريف موجودان بحكم أن المحافظة زراعية وتحتاج إلى شبكات ري متعددة، ولكن بعد دخول هذه الخبرات وبدء الإنتاج محلياً، أصبحت القيمة المضافة فيها، حيث وفرت بعض الماديات التي كانت مترتبة عليها بالنسبة للمستهلك، ويتجلى ذلك بتكاليف وأجور النقل.

ولكن هذا شجع بعض أبناء المحافظة فوجدوا أنها فكرة مميزة، وتناسب المحافظة الزراعية، فأنشؤوا معملاً حديثاً لها، مستفيدين من الخبرات الوافدة لتحسين مستوى العمل، لأن أبناء المحافظة لا يملكون الخبرات الكافية مسبقاً، علماً أنه يوجد معمل أنابيب، ولكنه يعدّ كورشة صغيرة من حيث التصنيف، أي إن إمكانياته الإنتاجية متوسطة ولا تكفي المحافظة».