يعد صيد الإسفنج البحري من الحرف التراثية المتوارثة في جزيرة "أرواد"، وقد اعتمدت بعض أسرها عليها في الحياة الاقتصادية، فاختصت بها، رغم صعوبتها وانعكاساتها المستقبلية على ممتهنها.

عملية صيد الإسفنج البحري تختلف تماماً عن عملية صيد الأسماك، وفقاً لحديث الصياد "مصطفى عبد الرحمن فحل" الذي تمرس على صيده عقود عدة، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 أيار 2015: «بحسب خبرتي الممتدة لحوالي ثلاثة عقود وتزيد، قضيتها في أعماق مياه البحر المتوسط، معتمداً على التنفس الطبيعي ثم التنفس الاصطناعي، ومهاراتي فيه، بحثاً عن الإسفنج، فإن صيد هذا الحيوان البحري يختلف تماماً بجميع المقاييس والمعايير عن صيد الأسماك، ويكمن الاختلاف بنوعية الأدوات المستخدمة وطريقة الصيد والاهتمام، حيث إنني لم أكن أهتم لوجود الأسماك حولي مهما كانت، لأن شغفي كان منصباً على الإسفنج».

لم يمتهن جميع الأرواديين حرفة صيد الإسفنج، بل إن عائلات محددة فقط توارثتها، ويمكن أن يكون السبب لصعوبتها ومخاطرها التي تودي بالحياة في بعض الأحيان، وحاجتها إلى مهارات خاصة في التعامل مع أعماق المياه البحرية

وهذه الحرفة اختصتها لنفسها عائلات بكاملها، وتوارثها أفرادها، بحسب حديث الصياد "مصطفى محمد دحه"، الذي قال: «لم يمتهن جميع الأرواديين حرفة صيد الإسفنج، بل إن عائلات محددة فقط توارثتها، ويمكن أن يكون السبب لصعوبتها ومخاطرها التي تودي بالحياة في بعض الأحيان، وحاجتها إلى مهارات خاصة في التعامل مع أعماق المياه البحرية».

الصياد مصطفى فحل

وليس من الضروري أن تكون رحلة صيد الإسفنج البحري بأفرادها المتعددين ممتهنين لها، وهنا قال الصياد "محمد عبد الباري حسين" الملقب بالشيخ "هاني" رئيس "جمعية الصيادين" في جزيرة "أرواد"، الذي عمل بصيده بضع سنوات فقط: «تبدأ الرحلة من تجهيز المركب وفحص جهوزيته، ويكون عدد الأفراد حوالي خمسة فقط، منهم البحارة ومنهم الصياد، وتدوم الرحلة أكثر من ست ساعات تقريباً، ويجهز الصياد بـ"بدلة" الغطس المناسبة والخاصة للمهمة، ويجب أن يدرك تماماً طبيعة قاع البحر، كما يدرك الطبيعة البرية، وحينها نبدأ البحث الدقيق عن هذا الحيوان البحري، فهو يتوضع على الصخور ويتماهى معها وكأنه جزء منها، وعند العثور عليه نقوم باصطياده بواسطة آلة معدنية حادة، ونضعه في الكيس الخاص لحين الانتهاء».

ووجود هذا الحيوان البحري في الأعماق يتطلب عملية غطس طويلة، كان لها آثارها، وهنا قال الصياد "إبراهيم أحمد عثمان": «تتجسد هموم هذه الحرفة من الصيد بالنتائج التي تلحق الصياد مع استمرارية الغطس البحري والتعرض للضغوط الكبيرة وفروقاتها ما بين اختلاف الأعماق، ومناطق البحث، وحالات الشلل والموت السريع، فهناك الكثير من حالات الشلل في الجزيرة».

الإسفنج البحري

وبالعودة إلى حديث الصياد "مصطفى فحل" تحدث عن رحلته مع صيد الإسفنج كتوضيح لخفاياها، فقال: «توجهت ميولي الاجتماعية والأسرية إلى صيد هذا الحيوان البحري، نتيجة سعره المرتفع وضعف الإمكانات المادية المعتمدة على الصيد أساساً، والسوق الشره له، حيث كنت أبيع ما أحصل عليه لتاجر لبناني فقط في البداية، وبعدها تعرفت إلى تجار غربيين من "بريطانيا" و"فرنسا" وغيرها من تلك الدول، وكان سعر الكيلوغرام حوالي 120 ليرة سورية، أما الآن فسعره خمسة آلاف دولار تقريباً وكانت مياهنا تزخ بهذه الثروة البحرية، ولكنها الآن تفتقر لها، نتيجة استخدام الديناميت المصنع يدوياً من الأسمدة الزراعية الكيماوية، لعمليات الصيد الجائر للأسماك».

ويتابع: «وللعلم حتى اللحظة لا أحد يعلم من صيادي الإسفنج على حد علمي، ما الفائدة التي يجنيها هؤلاء التجار من عملية شرائه، حيث كان التجار يقيمون هنا عدة أشهر لشراء الحاجة الكافية لهم، وبعدها يجهزوه ويوضبوه ضمن "بالات" كبيرة مربعة الشكل للشحن والتصدير، وكان يعد مصدراً للقطع الأجنبي.

الصياد مصطفى دحه

الصيد هنا يحتاج إلى خبرة بطبيعة الأرض ومكان وجود الإسفنج، ويلقب من يمتلكها بـ"الريّس"، وهذا كان لسان حالي، لقدرتي على تمييز مختلف الأنواع بعضها عن بعض، ومنها ما يسمى "القبو" نتيجة شكله الدائري والمثقب، ونوع آخر أبيض له شكل الكأس الزجاجي، وهو من أفضلها على الإطلاق وأغلاها ثمناً، ونوع آخر يسمى القرعوب وكنا نستخدمه لعمليات المسح على المراكب».