اعتمدت صانعة المواد الغذائية الريفية "سامية خضر" فكرة تأمين الاحتياطي من المواد الأولية اللازمة لعملها، كتحدٍ لارتفاع الأسعار وجشع التجار، وتمكنت من المحافظة على أسواق تصريف منتجاتها الريفية.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 30 آذار 2015، منزل السيدة "سامية خضر" في قرية "حريصون" التابعة لمدينة "بانياس"؛ لتحدثنا بداية عن طبيعة عملها، حيث قالت: «أعمل في صناعة المواد الغذائية الريفية الخاصة بالوجبات المنزلية اليومية والمؤونة الشتوية، ومنها على سبيل المثال: "المكدوس، والحلوى، والشنكليش، والقريشة، والفطائر، وخبز التنور"، وغيرها.

لم أكن بعيدة عن واقعي المتأزم، من ناحية العواطف والمواطنة، وخلال زيارة كل جريح أو متضرر من الأحداث الراهنة أقدم له مما أصنعه بيدي كـ"خبز التنور، أو المناقيش، أو الحلوى"

وهذه الوجبات الريفية من التراث الريفي الساحلي العريق، التي طالما تربينا كنساء ريفيات على صناعتها وإعدادها بفضل أمهاتنا وجداتنا، واليوم هي مصدر رزق بالنسبة لي أعتمد عليه لتحسين أوضاعي المادية ومساندة زوجي في المصاريف المنزلية».

"المكدوس" من صناعة السيدة سامية

المهم في الأمر تحديها لظروف العمل الصعبة ومواصلتها تصنيع الغذائيات الريفية رغم غلاء الأسعار وجشع التجار، وهنا لممارسة العمل دور كبير، وعنه قالت: «في عملي الممتد لسنوات طويلة سابقة وحتى الآن، تعلمت كيف يجب عليّ الاستمرارية، لأنها سر النجاح، وهذا تطلب مني تحدي الكثير من الأمور أهمها نقص المواد الأولية أو احتكارها من قبل التجار، فعمدت إلى أسلوب التخزين وإبقاء احتياطي منها باستمرار، والمحافظة على ثبات الأسعار لفتح أسواق تصريف جديدة واستمرار الأسواق أو الزبائن السابقين باستجرار المنتجات الغذائية الريفية.

فمثلاً "المكدوس" الذي يصنع بالعموم في أشهر معينة من السنة، لتوافر المواد الأولية ومنها الباذنجان والفليفلة والجوز، استجريت كميات كافية منها، وصنعته وبعته للزبائن بحسب التوصيات والكميات المطلوبة، وخزنت باقي الكمية في الثلاجة، ليجدها الزبون عندما يطلبها جاهزة، وهنا أكون قد حققت أمرين مهمين؛ الأول المحافظة على السعر الحقيقي وهو 1000 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد ضمن موسم إنتاجها وتصنيعها، والثاني أكون قد أمنت حاجة زبائني».

خلال تحضير عجينة الحلوى

هذا ليس كل شيء في التحدي، وإنما جزء من كل، وهنا أوضحت: «من خبرتي الطويلة في العمل أصبحت أدرك المناسبات والمواسم التي يجب أن تكون فيها المواد الغذائية اللازمة لها جاهزة للدخول في أسواق التصريف، منها على سبيل المثال الأعياد المعروفة كعيد المعلم وعيد الأم وعيد الأضحى والفطر، حيث أبدأ التحضير لها قبل حوالي الشهر، وأصنع كل ما يخص المناسبة من حلوى ومواد غذائية ريفية، بالطرائق البسيطة التقليدية التراثية الجاذبة للزبائن، حيث يقصد الزبائن منزلي للحصول على طلباتهم، أو أوصلها إلى أماكن تواجدهم.

وهنا لا أنكر وجود حلقات وساطة في عملية التصريف لأنها ضرورية لضخامة الإنتاج لدي، فمنذ مدة طويلة تعاقدت مع أحد المحال التجارية، وبدأت أقدم له جميع طلباته من المواد الغذائية التموينية والخاصة بالمؤونة، وهذا نوع من التسويق الخاص بي للتعرف إلى المزيد من الزبائن الذين يمكن الاعتماد عليهم في أوقات تكون فيها أمور التصريف ضعيفة، وهذا تحدٍّ من نوع آخر تمكنت منه في عملي، لأن محبي الوجبات الغذائية الريفية كثر».

محمود عيسى

ما تقدمه السيدة "سامية" من منتجات غذائية شمل الوجبات اليومية أيضاً، لتحقيق ريعية مادية مستمرة تتماشى ومتطلباتها المنزلية اليومية التي يحكمها الغلاء والمنافسة والجشع، وهنا قالت: «من خلال مسيرة عملي الطويلة تعرفت إلى الكثيرات من ربات المنازل، وأصبحت أجهز لهن ما يحتجن إليه من مؤونة منزلية كل موسم، ولكيلا أعتمد على المواسم فقط، رحت أصنع الفطائر بمختلف أنواعها وخبز التنور وأوصلها إلى المدارس والدوائر الرسمية بأسعار مناسبة ومنافسة لأي وجبة إفطار سريعة أخرى، وبذلك أكون تحديت جشع بعض التجار وذوي النفوس الضعيفة، وحافظت على أسواقي الخاصة التي اكتسبت ثقتها».

وتضيف في ذات السياق، فتقول: «لم أكن بعيدة عن واقعي المتأزم، من ناحية العواطف والمواطنة، وخلال زيارة كل جريح أو متضرر من الأحداث الراهنة أقدم له مما أصنعه بيدي كـ"خبز التنور، أو المناقيش، أو الحلوى"».

لم تكتفِ السيدة "سامية" بأسواق التصريف المحلية وإنما فتحت أسواق تصريف خارجية بهدف استجرار القطع الأجنبي على حد قولها، دعماً لاقتصاد بلادها: «من خلال عملي في الاتحاد النسائي تعرّفت سيدة لديها إخوة في "فنزويلا" و"أستراليا" وتعرفوا إلى ما أصنعه وما أقوم به من عمل منزلي، وطلبوا التعاقد معي لتأمين مختلف أصناف المؤونة المنزلية الريفية والحلوى و"المكدوس والشنكليش والقريشة" وغيرها، وفق عقود تصدير ثابتة فوافقت، ومن حينها في كل موسم أجهز لهم ما يطلبونه ويحتاجون إليه من مواد غذائية وبالكميات التي يحتاجون إليها وبالمواصفات التي يرغبون بها، وأرتبها بشكل بسيط، ليتم ترحيلها بوسائل النقل البرية أو البحرية وحتى الجوية».

وفي لقاء مع الشابة "هيام هاشم" صديقة السيدة "سامية" وممن تعلم منها مهنة صناعة الغذائيات الريفية، قالت: «أحب هذا العمل جداً، وتعلمته من السيدة "سامية"، وتعلمت خلاله فنون التعاطي معه، ولكني لم أستثمره كما استثمرته هي، فالسيدة "سامية" امرأة مناضلة في عملها، ومحبة له، وهذا مكنها من تحدي الظروف الواقعية المرافقة له، فلم أرَها يوماً تشتكي من ارتفاع أو هبوط الدولار الذي أصبح أساس التعامل بين التجار، لأنها اعتمدت على التخزين المسبق وبكميات كافية».

وبالعودة إلى حديث وفعل التحدي في العمل قالت السيدة "سامية": «تجار الأزمات أرهقوني في غشهم الدائم فقط، فمثلاً "السميد" الخاص بصناعة الحلوى مغشوش ويحتوي على نسبة من البرغل الناعم، وهذا دفعني إلى التفكير بحلول تتغلب على هذا الغش، أهمها إضافة طحين أبيض يسمى "زيرو" إلى الخلطة، لتكون أفضل بكثير وتناسب نوعية الحلوى المراد صناعتها والخاصة بالمناسبات والأعياد».

وفي حديث للسيد "محمود عيسى" صاحب أحد المحال التجارية التي تستجر مواد غذائية ريفية تصنعها السيدة "سامية"، قال: «تصميم هذه السيدة على متابعة العمل رغم صعوبة الظروف، وما تقدمه من مواد غذائية متنوعة بأسعار مناسبة نالت رضا الزبائن يدفعني دوماً للتعامل معها، والشد على يدها لأنها نموذج للنساء الريفيات المعطاءات المكافحات، ناهيك عن مطالبة زبائني باستمرار لمنتجاتها الريفية النظيفة والطازجة والمستوفاة لعناصر وأصول صناعتها، والأمر الأهم أنها حافظت على ريفية وتراثية ما تصنعه من مواد غذائية، ولم تدخل الحداثة إلى عملها، وبهذا حافظت على زبائنا وأسواق تصريفها».

الجدير بالذكر، أن السيدة "سامية خضر" من مواليد قرية "تعنيتا" عام 1967، وهي متزوجة ومقيمة في قرية "حريصون".