صعوبة الحصول على المواد الأولية وغلاء أسعارها لم يثنِ عزيمة "روجيه إبراهيم" في العمل على إنتاج لوحات الحرير الفنية، التي تعد مصدر دخلها الذي يحاكي التراث الساحلي.

العزيمة والصبر من أهم ميزات العمل والإبداع الحرفي بشرانق الحرير الطبيعي، الذي فخر به أبناء الحضارة السورية المتجذرة بعمق التاريخ، منذ عدة قرون، ومازالوا يفخرون، فهو المحرّض على المتابعة بحسب قول الحرفية "روجيه إبراهيم" ابنة مدينة "الشيخ بدر"، التي تحدّثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 آذار 2015، عن محرضها على الإبداع بشرانق الحرير، وهنا قالت: «بعد دراسة معهد الفنون وعدم حصولي على الوظيفة التي تحرض وتوظف ما اكتنزته أكاديمياً، جلست في المنزل من دون عمل، ومنه كانت شرارة الانطلاقة الأولى نحو العمل الحرفي الخاص بشرانق الحرير الطبيعية، التي أنتجتها بيئتنا الريفية سابقاً منذ سنوات طويلة، فمن المفروض أن يكون الإنسان منتجاً، فمن جيناته الأساسية الإبداع عند الحاجة والضرورة، وهذا بحد ذاته كان محرضي للاستفادة من تاريخ وتراث منطقتي العاملة بتربية دودة الحرير، خاصة أن أختي الكبرى تعمل بالأعمال الحرفية الخاصة بالقش.

بعد إنهاء لوحتي من شرانق الحرير التي أسست لها الحرفية "روجيه" بأفكارها الإبداعية التي علمتنا إياها، لن أبخس بها عند طلب شرائها، لأنها مولودي الأول

فبدأت العمل والاستفادة من شرانق الحرير الذي كان يصنع منه تراثياً المناديل الحريرية التي كانت الجدات تلبسنها كزينة يتباهين بها بين أقرانهم، وما ساعدني مرونة هذه الشرانق ومطاوعتها لأفكاري الغزيرة التي بدأت تتبلور وتتحرض بعد نجاح كل عمل».

أثناء التدريب

وكما الفنان التشكيلي لديه ريشة يرسم بها فلشرنقة الحرير أداتها الخاصة التي تصنع "روجيه" بها لوحاتها الفنية، وهنا قالت: «لقد كانت شرنقة الحرير كريمة عليّ كثيراً ومطاوعة لأفكاري، حتى إنني تمكّنت من توظيفها بتفاصيل فنية دقيقة وصعبة جداً منها ما يخص صناعة الورود المتنوعة، وهذا منح أعمالي صفة الإبداعية ومكنني من الحصول على جائزة الباسل للإبداع والاختراع عام 2014 عن لوحة حريرية حملت عنوان "سوريانا"، وكان موضوعها خارطة بلادي "سورية" بكامل حدودها الطبيعية، وهي من شرانق الحرير بالكامل.

ولم أتوقف هنا لأنها لم تكن المرة الأولى أو الأخيرة، بل على العكس بذلت قصارى جهدي من أجل أن تكون لي بصمة في مجال الحرف اليدوية التراثية، وبت أشارك في مختلف المعارض، وخاصة مع بدء الأزمة التي أرادتنا أمواتاً على مختلف الصعد».

من أعمال الحرفية روجيه

لكل عمل همومه وشجونه الخاصة، فإما أن نقف عندها أو نتحداها، وهنا قالت: «كثيرة هي هموم حرفة صناعة اللوحات الفنية من شرانق الحرير، وخاصة منها ما انعكس عن الأزمة الحالية، وغلاء الأسعار واحد منها، وقلة توافر المواد الأولية أهمها، ولكن هذا كان في الحسبان، وكان الاستعداد له جيداً، حيث اكتنزت من شرانق الحرير ما يجعلني أستمر بالعمل كتحدٍّ للواقع الحالي.

إضافة إلى أنني بت أقتصد وأخفف من الهدر الحاصل خلال العمل الفني، وأحاول توظيف كل القطع الحريرية الصغيرة والكبيرة في العمل الحرفي الفني، وهو ما أنتج لوحات إبداعية لم أتوقعها.

روجيه بالزي الشعبي التراثي

كما أن استمراري في العمل أنتج كماً من الأعمال غدت جاهزة لتزين أي معرض أدعى للمشاركة فيه، خاصة أن هذه المعارض على قلتها هي مصدر التسويق الوحيد بالنسبة لي، لذلك شاركت في أغلبها وضمن عدة محافظات، ومنها معرض "سوريات يتحدين الأزمات" في "خان أسعد باشا" بمحافظة "دمشق"».

ولم يكن التحدي باستمرارية العمل بشرانق الحرير فقط، وإنما كان بمحاولة خلق فرص عمل للوافدين من خارج المحافظة بعد تعلم مراحل العمل، وهنا قالت الحرفية "روجيه": «هذا العمل اليدوي الحرفي يحتاج إلى دقة متناهية وصبر، لأنه من الأعمال التنسيقية التنافسية مع الذات، التي ترتكز على بصمة الإنسان، ومن هذا المنطلق تطوعت لتدريب وتعليم الوافدات في المخيمات من خارج المحافظة، مع توافر الوقت لديهم، ليصبحن منتجات لأعمال حريرية تراثية، فيساهمن بانتشار الحرفة وبقائها.

وأغلب من تلقين طرائق التعامل مع شرانق الحرير أصبحن ينتجن أعمالاً جميلة ستعرض في معرض خاص يروج له رسمياً كخطوة أولى لتسويقها، وهذا من شأنه أن يسوق لأعمالي أيضاً، وهي بادرة درست جميع تفاصيلها حتى تمكنت منها».

وبالعودة إلى فكرة التسويق والمردود المادي قالت شرنقة الحرير "روجيه": «لكل عمل من الأعمال الحرفية أهداف إنسانية وفكرية واجتماعية وغايات مادية أيضاً، خاصة إن كان هذا العمل الوحيد للحرفي ليقتات منه، وحرفة صناعة اللوحات الفنية من شرانق الحرير واحدة من هذه الأعمال، وتنظر إلى الجانب المادي نظرة جدية، وهذا بحد ذاته كان دافعاً بالنسبة لي لتكريس وقتي وجهدي لإنتاج لوحات تنافسية بالفكرة والجودة لإرضاء الذواقة للتراث، وهو جانب من جوانب التحدي».

وفي زيارة لمركز إيواء الوافدين في معسكر الطلائع التقينا الشابة "منال خضر"، المتدربة على يد الحرفية "روجيه" حيث قالت: «في البداية لم أكن أعلم أو أعرف ما هي شرانق الحرير، وما يمكن صناعته منها، وبتدريب الحرفية "روجيه" لنا أدركت كم هي ممتعة بالتعامل والتوظيف، وكيف يمكن أن أصبح صاحبة دخل مادي جراء صناعة الأعمال الحرفية اليدوية منها، وهذا مهم بالنسبة لي مع الضيق الذي تعانيه أسرتي».

أما الشابة "ليلى كياري" فقد أبدعت لوحتها الخاصة، وتنتظر أن تكتمل لتشارك بها في معرض فني حرفي تسويقي، وهنا قالت: «بعد إنهاء لوحتي من شرانق الحرير التي أسست لها الحرفية "روجيه" بأفكارها الإبداعية التي علمتنا إياها، لن أبخس بها عند طلب شرائها، لأنها مولودي الأول».