بعد سنوات طويلة من المشاركة بالمعارض التشكيلية، اختارت الحرفية "فتاة المنصور" الحفر على الفضة"، كمشروع استثماري يحمل رؤيتها وإبداعها المتجدد، ويقدّم للناس فناً سورياً يُستخدم في كلّ منزل، وبسعر التكلفة (كما تقول السيدة فتاة).

فقد انطلقت الفنانة "فتاة المنصور" من الفن التشكيلي والعمل الحرفي بالألوان الزيتية والرسم بالسكين، وشاركت بالكثير من المعارض الداخلية والخارجية، وهنا قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 كانون الثاني 2015: «كانت البدايات بالفن التشكيلي واستخدمت خلاله الألوان الزيتية بأداة السكين، ومن ثم رسم لوحات بالحرير والزجاج والفخار، وقدمت أعمالاً يدوية بالسيراميك، وجميع هذه الأمور ساعدتني بالدخول إلى عالم الأعمال اليدوية الحرفية باستخدام الفضة، أو كما يقال عنها الحفر على الفضة، فاتخذته اختصاصاً لي، وتفردت به على مستوى "سورية"، حيث لا يوجد من يعمل به وفق هذه الطريقة والفكرة والتخصّص. وهو ما أدركته من خلال مشاركاتي بالمعارض، حيث لم يكن يوجد منافس أو مشارك فيه.

اختيار مكان التطعيم على الخشب مهم جداً، لأنه سيمنح العمل القيمة الحقيقية، وهذا يتم بالتنسيق بيني وبين عمال ورشة النجارة، لتحدي الأجمل في الخيارات المقترحة

لقد جربت كل مجالات الفن التشكيلي، ولكن وجدت بالحفر على الفضة المجال الأقرب إلى ذاتي، وشعرت بأني سأبدع فيه وسأقدم كل جديد في كل مرة أبدأ العمل، وهذا من حوالي خمس سنوات تقريباً.

لوحة فضة من وحي الأزمة والواقع

ولكن تطور المهارات التي امتلكتها كان سريعاً، وتمكنت منه بحرفية أرضتني، فكان التفريغ له أحد جوانب هذا التطور، وهذا وفر عليّ الكثير من التكاليف الناتجة عن استخدام كمية كبيرة من شرائح الفضة لكل لوحة، حيث إنه ومن خلال التفريغ أستخدم كمية قليلة ومحدودة من الشريحة الواحدة، أي إنني تمكنت من تخفيف تكلفة اللوحة الواحدة، واستخدمت بقايا حفر اللوحة الواحدة في لوحات أخرى تتناسب والشرائح الصغيرة المتبقية من الشريحة الأم».

ما قدمته السيدة "فتاة" كان متنوعاً ومتناغماً وحاجة السوق ومتطلباته الكثيرة، وهنا قالت: «صنعت الإكسسوارات ومنها الأطواق والأساور وغيرها من أغراض زينة المرأة، لأن لها رواجاً كبيراً ومستمراً، وهو ما يعني دخلاً مستمراً، كذلك صنعت التحف المنزلية، ومنها صناديق حفظ الجواهر أو الأغراض الثمينة الأخرى، وأدخلت فيها الأحجار الكريمة، وكان هذا التطور في العمل ناتجاً عن حاجة السوق والزبائن، أي تماشياً مع السوق أيضاً.

غرفة نوم من الخشب المطعم بالفضة

والتميز عنواني وهذا كان على سبيل المقتنين أيضاً، فلا يمكن لأي شخص اقتناء قطعة الفضة المشغولة أو الأثاث الداخل فيه الحفر على الفضة، إن لم يكن يدرك قيمته الحقيقية».

وتضيف فيما يخص التطور الحاصل على عملها فتقول: «حقيقة السبيل كان للوصول إلى الناس هو المعارض المستمرة على مدار سبع سنوات، حيث صنعت قنوات تواصل معهم وروجت لأعمالي جيداً، وما ساعدني في هذا تفردي بالحفر على الفضة كما أوضحت سابقاً، وللعلم إنني لم أتعلم الحفر على الفضة هنا، وإنما خارج البلاد في "إسبانيا"، وذلك بعد متابعتي للوحة أبدعتها فنانة إسبانية في أحد المعارض الضخمة، حيث انتسبت إلى أحد المعاهد الاختصاصية بالحفر على الفضة.

الحرفية فتاة المنصور

وما ساعدني في التمكن من حرفة الحفر على الفضة البنية التحتية التي أمتلكها من الرسم والموهبة التي تغلغلت في عروقي، إضافة إلى المخزون الفكري الجيد من المواضيع الفنية التخصصية بالحفر، وحصلت الأعمال التي أنجزتها على جزء من شخصيتي، حتى إن هويتي الفنية أصبحت مدركة من قبل المهتمين والمتابعين لهذه الأعمال».

لم تكتف الحرفية "فتاة" بالأفكار المبدعة، وإنما أدخلت إلى العمل الزخارف الإسلامية والخط العربي، وكان منها لوحات إبداعية رائعة، لتناغمها مع اللبنة الأساسية لأرضية العمل وهو الفضة، فتكامل التناغم وانسجم بعضه مع بعض، وعنها قالت: «أضفتُ إلى لوحة الحفر على الفضة الأحجار الكريمة التي منحت العمل تميزاً وتفرداً وقيمة معنوية ومالية تتناسب وسوق الاستثمار، فالعمل الحرفي يحتاج إلى سخاء بالوقت والمواد والأفكار والجهد».

لكل عمل هموم وصعوبات، والحفر على الفضة أخفها من جهة وأصعبها من أخرى، وهنا قالت السيدة "فتاة": «جميع المواد الأولية المستخدمة في صناعة عمل فني حرفي، مستوردة من الخارج، وخاصة شرائح الفضة، وهذا شكل صعوبة حقيقية وخاصة في هذه الأزمة، حيث تضاعفت قيمة الرسوم المفروضة عليها حتى إنها فاقت قيمة شرائها، ومع هذا لم أبحث عن بدائل للفضة حرصاً على قيمة العمل وجودته، كما أن مواد التعتيق ارتفعت، وهي مواد تدخل في تعتيق العمل بالمجمل والفضة ضمنه وتتم يدوياً، وكذلك المواد الحافظة التي تمنح العمل العمر المديد».

المرحلة الجديدة في الحفر على الفضة هو تطعيم الخشب بالفضة، وهنا قالت: «هو تطور واستثمار للعمل والحرفة، وما شجعني على هذه الخطوة الاستثمارية إعجاب المهتمين بالأعمال والإثناء عليها، وكانت هذه النقلة في العمل مخيفة بعض الشيء بالنسبة لي، لعدم إمكانية إدراك النتائج مسبقاً، ولكن بالعموم الورشة الحرفية للنجارة والأثاث يملكها ابني، وكان له فضل في تشجيعي على هذه المغامرة، والمفاجأة كانت الإقبال على الاقتناء رغم حداثة التجربة بالنسبة لي، وهذا شجعني لتقديم المزيد والأفضل دوماً».

وتتابع: «اختيار مكان التطعيم على الخشب مهم جداً، لأنه سيمنح العمل القيمة الحقيقية، وهذا يتم بالتنسيق بيني وبين عمال ورشة النجارة، لتحدي الأجمل في الخيارات المقترحة».

لا جرم، الجودة في أعمالها عنوانها، وهذا كان نتيجة اختبارات، تحدثت عنها بالقول: «الأعمال التي أقدمها، عرضت على لجان مختصة في أكثر من مناسبة ومعرض، للتأكد من جودتها وسلامة الفضة فيها، ومطابقته للمواصفات القياسية لهذا المعدن الثمين، والحمد لله كانت النتائج متطابقة وسليمة مئة بالمئة، وهو ما زاد في شهرتي ومنحني حقوقاً إضافية في التسويق.

وكذلك الاختبار كان للتأكد من أن الأعمال حرفية يدوية بالكامل أم لا، والحمد لله أكدوا دقة الأعمال وحرفيتها اليدوية ودقة المواضيع المختارة والمشغولة مباشرة على شرائح الفضة، دون استخدام "كروكيات" مسبقة».

وفي لقاء مع السيدة "منى علي" المهتمة والمتابعة لأعمال الفنانة التشكيلية "فتاة المنصور" قالت: «لوحات الحفر على الفضة إبداع تميزت به الحرفية "فتاة" لطبيعة المواضيع التي تعمل عليها وتنوعها واختلافها في كل عمل، فلا يمكن أن تجد عملين متشابهين من إنتاجها، والمهم في هذه الأعمال الاقتناء، وفي هذه النقطة أرى أنها أبدعت بطريقة الجذب وطرح الجمال في العمل، وهي بعد هذه التجربة الطويلة في العمل انتهجت طريقها الصحيح الذي يمكن أن تستثمر فيه طاقاتها وقدراتها وخبرتها، بتطعيم الخشب بالفضة».