شيدت "سدود نهر الأبرش" منذ مئات السنين عندما كانت الزراعة تعتمد على مياه الأمطار بشكل رئيسي، فكانت هذه السدود تساهم وتساعد الفلاحين في إنتاج محاصيل مميزة كماً ونوعاً.

من تتبع مدونة وطن "eSyria" لمصادر المياه ومجاريها في محافظة "طرطوس" لم نجد مجرى مائياً تم استثماره بالطريقة التي تم استثمارها في الأودية النهرية التي تحيط بمجرى نهر "الأبرش" من منبعه، إلى مصبه في البحر، فقد أقام الأجداد -في فترة غير محددة تماماً وإنما مبنية على تقديرات- عدداً من السدود "سدات نهرية"، أو ما يسميه المزارعون "سكراً نهرياً"، بأساليب بدائية ساهمت في رفع منسوب المياه من مستوى 1 إلى 4م.

بنى هذا السد أجدادنا بمعنى أنه يعود ربما إلى عدة قرون سابقة، أو يجاوز ذلك إلى حضارات قديمة واستمر من جاء بعدهم بتحسين جسم السد وتطويره، عدا البناء فهو متين جداً لأن الشكل الحالي موجود منذ قرون عديدة كما تحدث أهلنا وأجدادنا. أما عن القناة التي تسقي "مزارع كفر صنيف"، فهي قناة طويلة تزيد غزارتها عن 20إنشاً، يقوم أهل القرية سنوياً بتنظيفها، وتوزع على المزارعين بالتساوي، كل أسبوع لمنطقة، وهكذا ازدهرت هذه المنطقة زراعياً منذ القديم وصولاً إلى اليوم؛ حيث تعد "كفر صنيف" مقصد الكثيرين من السوريين من جميع المحافظات للحصول على منتجات الرمان وخاصة "الدبس"، إضافة إلى الحمضيات التي انتشرت بكثرة في مزارعنا، وكل ذلك نتيجة انتظام الري الذي قدمته لنا هذه السدود

ومن ثم جر هذه المياه عبر قنوات جانبية كانت بدورها دليلاً على مقدرة وإبداع سكان هذه المناطق، حيث تم شق القنوات لمسافات تزيد على 1كم، باعتبار أن ارتفاع السد قد لا يتجاوز 3م؛ ما استدعى شق قنوات عميقة وطويلة تمتد لتصل إلى الأراضي الأكثر انخفاضاً للاستفادة منها في ري المحاصيل.

رغم بساطته يسقي هذا السد نحو 200 دونم حالياً

في جولة على "وادي نهر الأبرش" وبعض القرى المحيطة به التقت مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 25 كانون الثاني 2014، السيد "عصام إسماعيل" أحد المزارعين في المنطقة: «تستفيد من "نهر الأبرش" قرى عديدة هي: "كفارين، حكر كابر، بشرائيل، بلاطة مغيزل، بطاريش، عين عفان، كفر صنيف، زوق بركات، حابة، بدادة، صهيون، ضهر البياطرة"، أما الأودية الزراعية التي تستفيد من النهر وسدوده، فهي: "وادي الكفرون، حكر كابر، وادي بشرائيل، بلاطة مغيزل"، تشتمل على أراضٍ زراعية واسعة يتم ريها من "سدود الأبرش".

استطاع الأجداد –إذا ما اعتبرنا عمر هذه السدود يصل إلى 300 سنة- من سكان منطقة "وادي الأبرش" زراعة محاصيل كثيرة، خاصة تلك المروية منها "بقوليات، وخضراوات"، في حين جاء الإنتاج كبيراً يوازي ما تنتجه الزراعات الحديثة اليوم، وهو ما اعتبر وقتها تطوراً زراعياً سبق عصره، وساعد المزارعين على زراعة كميات كبيرة من الخضراوات بما يوازي حاجة تلك الفترة الزمنية، وصولاً إلى الوقت الحالي حيث استمرت "سدود نهر الأبرش" في ري المساحات الزراعية التي تحولت من زراعة الخضراوات والحبوب إلى أشجار الفاكهة، بداية من "التفاح"، ثم "الرمان والحمضيات"، فصارت منطقة الوادي وخاصة قرية "كفر صنيف" من أشهر مناطق "سورية" في إنتاج "الرمان".

يمكن من خلال التعرف على المساحات التي ترويها "سدود نهر الأبرش" تقدير القيمة الحضارية الزراعية التي جاءت من بناء "سدود نهر الأبرش"، ففي "وادي بلاطة مغيزل" يروي "سد البغلة" 42 دونماً، وفي "وادي بشرائيل" يروي "سد بشرائيل" 40 دونماً، نزولاً إلى "وادي عين عفان" حيث يروي "سد الجرف" 100 دونم، في حين يروي "سد علي ريمي" مئات الدونمات من قرى: "كفر صنيف، بدادة، دريكيش زريب"، وبالعودة إلى "سد الجرف" فإنه يسقي من جهة يمين السد 10 دونم من أراضي قرية "بطاريش"، و100 دونم من أراضي قرية "زوق بركات"».

من جهته يقول مختار قرية "كفر صنيف" السيد "أحمد علي السيد": «بنى هذا السد أجدادنا بمعنى أنه يعود ربما إلى عدة قرون سابقة، أو يجاوز ذلك إلى حضارات قديمة واستمر من جاء بعدهم بتحسين جسم السد وتطويره، عدا البناء فهو متين جداً لأن الشكل الحالي موجود منذ قرون عديدة كما تحدث أهلنا وأجدادنا.

السيد"أحمد السيد" مختار قرية "كفر صنيف"

أما عن القناة التي تسقي "مزارع كفر صنيف"، فهي قناة طويلة تزيد غزارتها عن 20إنشاً، يقوم أهل القرية سنوياً بتنظيفها، وتوزع على المزارعين بالتساوي، كل أسبوع لمنطقة، وهكذا ازدهرت هذه المنطقة زراعياً منذ القديم وصولاً إلى اليوم؛ حيث تعد "كفر صنيف" مقصد الكثيرين من السوريين من جميع المحافظات للحصول على منتجات الرمان وخاصة "الدبس"، إضافة إلى الحمضيات التي انتشرت بكثرة في مزارعنا، وكل ذلك نتيجة انتظام الري الذي قدمته لنا هذه السدود».

يتفاوت طول السدود وارتفاعها حسب المنطقة التي بني فيها السد، ويسمى "سكر أو سدة" لصغره، حيث يتراوح الطول بين 25 و75م، وارتفاعه بين نصف المتر والمترين، وربما كان ارتفاعه أكثر من ذلك لكن عوامل الزمن سببت تآكل السد، ورغم الأضرار التي أصابت بعض السدود إلا أنها تعمل بكفاءة عالية، وهي مبنية كما روى بعض السكان من حجارة عادية مختلفة الأشكال والأحجام وتم جمعها من منطقة بناء السكر، تم جمعها باستخدام الكلس الناري، الذي تتم صناعته محلياً».

وقد تحدث العديد ممن التقيناهم عن ضرورة إصلاح وصيانة هذه السدود بسبب أهميتها وفائدتها للمزارعين، وتتلخص المشكلة في عدم وجود طرق تخديمية تصل إلى منطقة السد، لإيصال مواد الصيانة ولوازم البناء، وهو ما اعتبروه تقصيراً من مديرية الزراعة مقارنة مع مستوى الفائدة والحاجة إليها.