نشر الفنّان التشكيلي "تحسين الحسن" لوحاته الفنية والفسيفسائية التي تجسّد الثقافة والتراث الفني السوري بما حملته من دقةٍ وتناسقٍ وواقعية، بدول عدة في محيط "البحر الأبيض المتوسط"، حتى غدت مسرحاً لمعارضه الفردية، متجاوزاً إعاقة يده اليسرى.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الفنان التشكيلي "تحسين الحسن" بتاريخ 28 تموز 2020 الذي أكد أنّ البدايات الفنية لم تتأطر بدراسة الفن التشكيلي، وإنما حافظت على كينونتها الفطرية مع تطوير الأدوات والعمل على تنميتها بشكل مستمر وفق مراحل متعددة ومتعاقبة، وهنا قال: «أنهيت دراسة هندسة الديكور (العمارة الداخلية) عام 2003 وكانت بعيدة كل البعد عن ميولي تجاه تشكيل وتصميم الأعمال الغريبة التي عشقتها منذ مرحلة مبكرة من العمر، وكذلك أحببت البورتريه وحاولت التخصص فيه من ناحية الدقة في التفاصيل، وهو ما طورته وصولاً إلى المرحلة الحالية وهي أعمال الفسيفساء الحجرية، فالفن بالنسبة لي خيار واختيار».

لا يعنيني الانتماء لمدرسة فنية معينة بقدر ما يعنيني الأسلوب المستخدم لتأطير الفكرة بالشكل الأمثل الذي أرغب به، فأحب الحرية بالأسلوب وقد تتداخل عدة أساليب في فكرة معينة لخلق حالة من الغرابة والذهول والحيرة، وقد أواجه نقداً حول هذا ولكن ما يهمني هو الحالة النهائية

وقد كان للألوان انعكاس كبير على شخصيته، وهنا قال: «اللون الأبيض بالنسبة لي لون مميز أينما وجد كمساحات وظفت باللون أو مساحة وظفت بالفكرة، فهو اللون النقي الذي يدل على الصفاء والسلام الداخلي، وبه يمكن كسر قساوة أي لون آخر وإضعافه ليصبح لوناً حنوناً ودافئاً، فعند كسر اللون الأحمر به نحصل على درجات اللون الوردي الرائع الجمال، وعند كسر اللون الأزرق به نحصل على ألوان البحر والنهر والشلالات والمياه الراكدة.

من لوحاته

وهذا اللون الأبيض أثر على شخصيتي وحتى على ألوان ثيابي، حيث كنت ميالاً دائماً لارتداء الملابس البيضاء بشكل كامل ولمختلف الأوقات والمناسبات، وهنا كنت أشعر بالانفتاح البصري والداخلي للبدء بالعمل، كأنما هي الولادة الجديدة».

ويتابع في توضيح التعامل مع السطح الغرافيكي ليكون قادراً على حمل الفكرة كما تجول في مخيلته: «لكل تقنية تشكيلية سطح مختلف يميزها ويتسامح معها، فالسطح الغرافيكي بالرسم مثلاً يختلف عن السطح الغرافيكي بالفسيفساء، ولكل منهما أبعاده وتأسيسه وسماكات الإشغال التي يمكن توظيفها له مع مراعاة الطابع الجمالي البصري لها، فاللوحة الفسيفسائية تأسيس سطحها خشبي مستوٍ تماماً يمكن من خلاله حساب المساحة والسماكة المفروضة وسماكة الحجارة الصغيرة.

من أعماله

وكذلك بالنسبة لأوراق الـ"كانسون" الخشنة التي تعطيني الإحساس بقدرات أصابعي على تعامل مميز ومتفرد كما الحال مع أقلام الرصاص والفحم، وهنا لا أنكر حاجتي إلى الإحساس بالنعومة أحياناً، وهذه الأحاسيس بمجملها تمكنني من التلاعب باندماج الظل والنور والشعور الصعب بهما».

وفيما يخص الأسلوب الفني قال: «لا يعنيني الانتماء لمدرسة فنية معينة بقدر ما يعنيني الأسلوب المستخدم لتأطير الفكرة بالشكل الأمثل الذي أرغب به، فأحب الحرية بالأسلوب وقد تتداخل عدة أساليب في فكرة معينة لخلق حالة من الغرابة والذهول والحيرة، وقد أواجه نقداً حول هذا ولكن ما يهمني هو الحالة النهائية».

خلال عمله على المرسم

وبالنسبة لأعماله بالفسيفساء الحجرية قال: «لدي مشروع كبير بالفسيفساء الحجري، وأعده بصمتي الخاصة في تاريخي الفني، ويتلخص المشروع بالوصول إلى رقم قياسي يسجل في كتاب "غينس"، وبالنسبة لأعمالي السابقة فقد كانت ساحاتها الأساسية في "قبرص"، "أوكرانيا" و"روسيا" والبعض في "أميركا" وكأنها ساحات معارض فردية دائمة، وأذكر أنّ حصيلة سبع سنوات من العمل المتواصل وصلت لحوالي 4000 لوحة لم تبقَ بعد إنجازها لتحظى بالمشاركات الفنية الفردية أو الجماعية هنا في "سورية".

حيث كانت تلك الفترة بمنزلة تحدٍّ للذات لإرضاء الشغف وتعلم الصبر رغم إعاقتي الحركية وفقداني لثلاثة أصابع من يدي اليسرى نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، فإنجاز اللوحة الفسيفسائية هو فخر أعتز به، ما يلبث أن يتحول إلى طاقة وشغف لشعور جديد آخر».

وفي لقاء مع الفنان التشكيلي "يوسف حسن" قال: «لقد جسد الفنان "تحسين" صبراً وروحاً وعفويةَ التشكيلي السوري بما قدمه من قطع صخرية صغيرة طوع قساوتها بأنامله التي تكاد تسايره، حتى غدت أيقونات من الجمال تنبض بها الروح، وأكاد أجزم أنه المبدع الاستثنائي بفن الفسيفساء، كما براعته بالتصوير الزيتي والرسم بالرمل والديكور.

واللافت بلوحاته بعيداً عن المعايير التي حققها فيها، المساحات الكبيرة التي يعمل عليها دون الخلل بالدقة والتناسق، حيث انتشرت في مختلف دول البحر المتوسط حاملة معها جزءاً من ثقافتنا وتراثنا الفني السوري».

يشار إلى أنّ الفنان "تحسين الحسن" من مواليد "دمشق" عام 1980، وتنحدر أصوله من قرية "المقرمدة" في ريف مدينة "القدموس"، يقيم في "بانياس" بمحافظة "طرطوس".