قدّمَ "المهند درويش" موهبتَهُ الفنية بالنحتِ على الكتلِ الصماء المتوافرة في بيئته الريفية، فأنتجَ أعمالاً فنية أقرب إلى النصب والبورتريهات، معتمداً على المدرسة الواقعية القريبة لأفكاره والمحفّزة لها، ضمنَ ظروفٍ مجتمعية ونفسية هيأتها لتكوينِ حالاتٍ إنسانية خالدة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيلول 2019 النحاتَ الموهوب "المهند درويش" ليحدثنا عن بداياته حيث قال: «بدأت حكايتي مع النحت على الكتل الصلبة في نهاية المرحلة الإعدادية تقريباً، حيث كنت أرى كل الكتل الصلبة مجسمات تحتاج إلى تنظيف الزوائد عنها، وتشذيب مضمونها لتظهر مكنونها الداخلي في حالة من مخالفة الواقع الذي هي عليه، وهذا الأمر كان يحتاج مني كثيراً من التعمق بالمضمون معتمداً على التثقيف الذاتي والتبحر في عالم الفن التشكيلي النحتي عبر مواقع الإنترنت التخصصية التي شكّلت رافداً مهماً لتطوير مهاراتي وأدواتي».

ما يقدمه "مهند" شيءٌ مختلفٌ عن المألوف وفيه الكثير من الأفكار العميقة المقتبسة من واقعٍ ريفيٍّ مشحونٍ بالكثير من المشاعر والأحاسيس المرهفة، كما أنّ ما قدمه من محاكاةٍ لواقعِ التراثِ البيئي والفكري -وكمثال عنه نصب جد القرية- فهو حكايةٌ مختلفةٌ تتعلق بتأصيل العلاقة مع الآخر، وهذا شيءٌ قلّما نجدهُ في زمن الحروب

وعن كيفية رؤيته للكتل الصلبة من رؤية النحات الشغوف بهذا الفن قال: «في الغالب هي كتل صماء موجودة ومتوافرة في الطبيعة التي أستمتع بالسير فيها لفترات طويلة بحثاً عن الإلهام والأفكار والرؤى التحفيزية، وهذا من منطلق كيف يجب أن تصبح كل كتلة منفردة ومتفردة عن غيرها، لتجذب المتلقي للاهتمام بها، وخاصة منها الوجوه التي قد تكون قريبة من الناس، ولا أنكر هنا أنّ بعض الكتل توحي بذاتها وشكلها العام بالنهايات الأخيرة لها بعد تدخلي الفني بها، ولكن ما يشعرني بالقلق ضعف الاهتمام بالنحت بشكل عام، وخاصة في المناطق الريفية».

المهند درويش

وعن مشاركاته الفنية بالملتقيات والمعارض قال: «لا أؤمن بالمشاركات الفنية بالملتقيات والمعارض، لأنّي لم أجد نتيجةً أو منعكساً إيجابياً منها على الفنان أو الموهوب الفطري، حتى أنّي وضمن بيئتي الجميلة لم ألقى التشجيع المناسب والمحفّز على تقديم المزيد، ولكن يمكنني القول إنّ العملَ بالنحت الحجري هو متنفس من هموم الحياة وضجيج المجتمع، علماً أنّني حاولت توظيف هذه الحالة في كثير من أعمالي النحتية من منطلق أنّ كلّ الكتل قابلةٌ للعمل عليها».

يملك "مهند" حلماً خاصاً به، وقد رسم أولى خطواته على مدار سنوات، وأضاف عن ذلك: «حلمي أن أضعَ مجسماتٍ وكتلاً نحتية في مختلف أركان القرية لتكون منارةً فنيةً لقاصديها، وخاصةً في الموسم السياحي، وقد أطلقت العنان لهذا الحلم عندما شكّلت مجسماً فنياً لأوّل مؤسسي القرية، وجدنا الأوّل بالاعتماد على الروايات والأحاديث المتناقلة بالتواتر بين الآباء، كحالة من الوفاء والمحبة له، حيث شُكّل هذا المجسم باستخدام المواد الأولية المتوافرة في الطبيعة لدينا، وبعض الأدوات التراثية، إضافة إلى الأسمنت وحجارة الغرانيت، وبلغ ارتفاعه حوالي خمسة أمتارٍ وعرضه مترين، ويحمل بيده سيفاً ليبدوَ على هيئة محارب».

من أعماله

وعن ظروف ومناخات العمل قال: «لا يمكنني النحت في أي ظرف وزمان إن لم يكن مناسباً لي من مختلف النواحي، وخاصة النفسية التي لها الأثر الكبير عليّ في نجاح أو فشل ما أنوي العمل عليه، ومن هذا المنطلق أحاول دوماً تهيئة تلك الظروف والمناخ لتكون حالة يجب أن أدخل بها، وأبتعد عن محيطي مهما كانت الظروف، وهذا أثّر في انتمائي المدرسي، حيث أميل بشكل عام إلى المدرسة الواقعية التي تشحنني دوماً بالطاقة الإيجابية».

"يوسف درويش" من أهالي وسكان القرية والمهتم بالفن من جوانب عدة، قال: «ما شدني منذ عدة سنوات قيام النحات "مهند" بنحت كتاب ضخم على سطح صخرة كبيرة في قاع مجرى النهر إلى جانب نبع "عين الباردة"، مستخدماً أداة واحدة فقط هي المسمار الفولاذي، حيث استمر في العمل قرابة أربع سنوات، ما شكل حالة فريدة بين شباب القرية جلبت الانتباه لكونها شكلت حالة كانت أقرب إلى ما يمكن تسميته الإعجاز، ضمن الظروف الصعبة التي عمل بها».

نصب تشكيلي لجد قرية حكر بيت رحال

أما الفنان "جوزيف بشور" المختصّ بالديكورات فقال: «ما يقدمه "مهند" شيءٌ مختلفٌ عن المألوف وفيه الكثير من الأفكار العميقة المقتبسة من واقعٍ ريفيٍّ مشحونٍ بالكثير من المشاعر والأحاسيس المرهفة، كما أنّ ما قدمه من محاكاةٍ لواقعِ التراثِ البيئي والفكري -وكمثال عنه نصب جد القرية- فهو حكايةٌ مختلفةٌ تتعلق بتأصيل العلاقة مع الآخر، وهذا شيءٌ قلّما نجدهُ في زمن الحروب».

يشار إلى أنّ النحات "المهند أحمد درويش" من مواليد عام 1986 قرية "حكر بيت رحال" في ريف مدينة "صافيتا"، وهو طالب جامعي.