تحاول الفنانة "نجود أسعيد" تقديم روح فنية جديدة للحركة الفنية التشكيلية؛ عبر خلق حالة التفاعل والتنمية بالتركيز والبحث عن الأطفال الموهوبين والمهتمين، وذلك بلورةً لمسيرة حياة وخبرة فنية عنوانها الشغف بالرسم ودعم الأسرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت التشكيلية "نجود أسعيد" بتاريخ 16 تموز 2018، لتحدثنا عن بداياتها مع الرسم ثم التشكيل بقواعده وأسسه، حيث قالت: «منذ الصغر شدني موضوع الرسم كثيراً، وكنت أرسم كل ما يحيط بي وتشاهده عيناي مهما كان، كالناس والطبيعة والأماكن، وهذا ساعدني على تنمية موهبتي وتطويرها ضمن مدة زمنية كانت صعبة جداً على من يرغب بتطوير مواهبه وقدراته، فلا يوجد فيها ما يساعد على ذلك، كشبكة الإنترنت أو الفنانين التشكيليين، أو مدرّسي الرسم، باستثناء مدرّس أو اثنين على الأكثر في مدينتي "جبلة".

النحت بالنسبة لي عملية رسم ثلاثية الأبعاد قادرة على تكوين الفكرة من مختلف جوانبها، فتشكل من الكتلة في الفراغ شيئاً غير منتهي الرؤى البصرية التي تغني الفكر

وهنا لا أنسى وقوف أسرتي إلى جانبي ودعمها لي بكل ما استطاعت، وخاصة والدي الذي وقف إلى جانبي وحفزني على تقديم المزيد من اللوحات على الرغم من بساطتها في تلك المرحلة، وكأنه يحاول تعويض ما فاته من تنمية موهبة فطرية كانت قد ظهرت بذورها لديه ودفنت، وذلك عندما وجد في لوحاتي شيئاً لافتاً، فأخي له محاولات رسم أيضاً ووالدتي، لكنها لم تستمر».

من أعمالها

وتتابع: «أول نجاح لي في هذا المجال ضمن رواد الطلائع على مستوى القطر وحصولي على الريادة لعامين متتاليين، وبعدها كانت لي عدة مشاركات على مستوى منظمة "اتحاد شبيبة الثورة"، وأذكر أنني في الصف الحادي عشر شاركت مع فنانين تشكيليين بمعرض في المركز الثقافي العربي بـ"اللاذقية"؛ وهو ما منحني الكثير من الثقة التي كنت أحتاج إليها، ومع ذلك لم أُقبل في كلية الفنون الجميلة التي حصلت على معدل قبولها بدرجة ممتازة في الاختبار العملي.

لكن هذا لم يثنِ عزيمتي، فتقدمت إلى كلية الآداب، فرع الأدب الإنكليزي بمحبة، وشاركت في العديد من المعارض الجامعية، ومنها معرضان بعد التخرج؛ وهو ما ساهم ببلورة مسيرتي الفنية وأصبح الفن كل شيء في حياتي، وانتسبت إلى جمعية "سيدات الأعمال" في "اللاذقية"، وأقمت عدة معارض سنوية من خلالها وضمن صالات عرض خاصة، لكوني في القسم الفني فيها».

إحدى اللوحات

أمور عدة ساهمت بقولبة موهبتها بعد سنوات من الخبرة وفق رؤى كانت تحلم بها، منها المشاركة بالمهرجانات والمعارض الخاصة وانتسابها إلى اتحاد الفنانين التشكيليين والحوارات مع كبار التشكيليين ودخول عصر الإنترنت ومواقعه التخصصية، وهذا انعكس على اختصاص فني رديف، قالت عنه: «بعد الخبرة والمعرفة التي اكتسبتها، قررت دخول تجربة الأعمال النحتية وخاصة الصلصال الذي يعدّ حالياً تجربة غنية بالنسبة لي، وسعت الأفق أمامي ونمت ذائقتي البصرية وقدراتي على التعامل مع الكتل، لأنني تعلمت منه أصول النحت على الخشب والحجر؛ وهي كتل صماء ضمن الفراغ الرحب، على يدي الفنان "محمد بعجانو"، ومع هذا بقي الرسم الأقرب إلى شخصيتي التي طورت قدراتها أيضاً في معهد الفنون التطبيقية على مدار عامين ونصف العام».

وتتابع: «النحت بالنسبة لي عملية رسم ثلاثية الأبعاد قادرة على تكوين الفكرة من مختلف جوانبها، فتشكل من الكتلة في الفراغ شيئاً غير منتهي الرؤى البصرية التي تغني الفكر».

نجود أسعيد

اهتمت التشكيلية "نجود" بقضايا المرأة ووظفتها في أعمالها الفنية بكل براعة، وهنا قالت: «مختلف أعمالي تتحدث عن المرأة وقضاياها بأسلوب لا إرادي أو مقصود، فأتخيل الأنثى بلوحاتي وأشعر بأنها موضوع مهم بجمالها وجسدها ومعاناتها بمجتمعها لتحفيز أفكاري لتقديمها بالصورة التي أراها بها، وقد جذبتني في البداية المرأة الإفريقية وهمومها وشجونها، وبعدها جذبت إلى المرأة السورية، وخاصة في هذه المرحلة التي غيرت الكثير من حياتها، فبتّ أقدمها في مجمل لوحاتي بمعاناتها مع الرجل ضد هذه الحرب، وقوتها في متابعة شؤون حياتها وأسرتها والتضحية لأجلها».

لم يكن هذا كل ما في جعبتها، بل توجهت نحو تقديم دورات الرسم لهدف خاص بها، قالت عنه: «خلال مسيرة حياتي الفنية عانيت الكثير للحصول على المعرفة والخبرة الفنية، وهذا ما حاولت تلافيه من خلال إقامة الدورات التدريبية والتعليمية للأطفال، منحتهم فيها خلاصة معرفتي بكل سهولة ويسر لينمّوا مهاراتهم ويشغلوا أوقات فراغهم، وهذا أنتج طلاب فنون جميلة وعمارة ومشاركين في المعارض الفنية التشكيلية».

وفي لقاء مع التشكيلي "طلال بيطار" نائب رئيس الاتحاد العام للفنانين التشكيليين، قال: «أتابع أعمال "نجود" من مدة جيدة، ويمكنني القول عنها إنها فنانة متعددة المواهب والإمكانيات، منها الرسم الزيتي والبورتريه والواقعي والنحت، لكن الأهم لديها اللوحات التعبيرية التي أظهرت فيها نفسها أكثر من غيرها، وأظهرت الأنثى بطرائق وأساليب مختلفة وروح الشباب التي تمتلكها، كما أظهرت البيئة الساحلية والجبلية التي تنتمي إليها وتعيش فيها؛ أي إنها أظهرت الجمال بمختلف مكوناته؛ وهو ما انعكس جمالاً على الحركة التشكيلية السورية».

أما التشكيلي "سليمان أحمد" نقيب الفنانين التشكيليين في "طرطوس"، فقال: «"نجود أسعيد" من الفنانات النشيطات، تمتلك تجربة فنية جيدة وأسلوباً فنياً وشخصية خاصة، فمن خلال أعمالها نلاحظ اعتمادها العنصر الإنساني والمعماري بوجه أساسي، والدمج بأسلوب مبسط بين هذين العنصرين في جو لوني هادئ، فهي لا تعتمد الألوان الكثيرة في اللوحة، بل اللون البني وتدرجاته فقط؛ وهذا ما أعطاها شخصية متفردة خاصة».

يشار إلى أن التشكيلية "نجود فؤاد أسعيد" من مواليد مدينة "جبلة"، عام 1974.