ينطلق بأعماله النحتية من فلسفته الخاصة بالحياة، وبأسلوب تجريدي ينقل النحات "غازي عانا" قضايا المجتمع ممزوجة ببعض الأحلام، وكثير من الخيال، ويبدع أيقونات نحتية تجسد ثنائية الحياة، لتجد متسعاً لها في كبرى المعارض والحدائق المحلية والعالمية.

النحت هو رسم للحجم بالضوء وظلّه، وإيقاع موسيقا، ورقص؛ كل ذلك من أجل الاحتفاء لفرجة تُمتّع البصر، وتَسكنُ البصيرة من جمالية، وتناغم الكتلة مع فراغها الداخلي، وانسجامها مع المحيط لفضاء يفيض بالحب؛ هذا ما بدأ به الفنان "غازي عانا" حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الأول 2016، ولمعرفة المزيد عن فنّه، يقول: «النحت بالنسبة لي همٌّ جميلٌ؛ أحاول أن أحقّق وأميّز ارتقاء الكتلة في الفراغ من خلال انسجام الصياغة مع نوع المادة المستخدمة من رخام أو خشب أو برونز، لتنهض برشاقة متناغمة مع المحيط؛ وفي حضرة النحت هناك وقت مضاف، حيث للبصر انشغال العين يمتعه التأمل، وللبصيرة اتساع المدى مع نشوة الروح لتتجلى الرؤية. وما يشغلني في أعمالي النحتية (الثنائي دوماً)، هو تلك المعادلة التي أسعى إلى تحقيقها من حيوية الحجم وارتقائه مع نظيره لتصل أحياناً إلى ذروة الحساسية لحظة الاندماج أو الانفصال غير المنظور؛ هنا تنشأ مجموعة علاقات متباينة فيما بينها، لكنها تتفق على شكل الصياغة؛ لا بدّ أن تعكس بعض مشاعري، وما يشغلني من قضايا في تلك اللحظات؛ وتلك الثنائية الناتجة عن أعمالي عموماً تمثل العلاقة الجدلية القائمة منذ الأزل بين كل من (الليل والنهار، الظلمة والنور، الرجل والمرأة، الخير والشر)».

أن يحب الفنان عمله ويكون أول معجب به هذا من طبيعة الأشياء، ومن شروط نجاح أي عمل في الحياة، لكن يجب أن تكون منفتحاً على تجارب الآخرين، وهنا لا يمكن أن يكون الفنان أنانياً حتى لا ينغلق على نفسه، ولا يرى ما يجري خارج حدود أعماله. بينما التفرد حالة إيجابية، وغايته أن يحقق الفنان تلك الخصوصية التي تميز بها عن غيره مع الاحتفاظ بحق أي فنان للاستفادة من أي أدوات ووسائل لتطوير تجربته، وأن تكون له بصمته التي تميزه عن باقي الفنانين

وعن أسلوبه، وفلسفته في خلق منحوتته، يضيف: «الهدف من أي عمل فني بصرف النظر عن الأسلوب الذي نفذ به هو القيمة الجمالية، والتشكيلية التي يحققها بعيداً عن مبدعه؛ فهو يعتمد الخيال، وكثير من الحلم، لكن بواقع أفضل من كل المستويات، وأهمها برأيي المستوى الجمالي المرتبط بالإحساس ومشاعر الإنسان كقيمة عليا، أحاول أن أعكس هذه القيم بأسلوب تجريدي، وهذا لا ينفي عملي بالأساليب الأخرى، لكنني أجد نفسي فيه؛ فالتجريد له مفاهيمه وأسسه؛ أهمها اختزال الشكل أو تهديمه، الذي أساسه واقعي من أجل البناء عليه برؤية الفنان ذاته ووفق طريقة تفكيره. وأنا كنحات لا يهمني ماذا تقول المنحوتة أكثر من كونها حققت حضوراً بهياً في المكان ككتلة متناغمة؛ وهذا مفهوم التجريد كمعنى غير مباشر. وعندما أعمل على المنحوتة لا أضع في ذهني فكرة مسبقة، بل أبدأ العمل مباشرة إلى أن تستقر الكتلة، وأغلب الأوقات يكون الموضوع مبهماً يحمل الكثير من إثارة الأسئلة، حيث يتلقاه الناظرون إليه بطرائق مختلفة، وهنا صعوبة النحت الذي أصفه بالتعب الممتع».

مجموعة من منحوتاته

وعن علاقته مع أعماله النحتية، يتابع قائلاً: «أن يحب الفنان عمله ويكون أول معجب به هذا من طبيعة الأشياء، ومن شروط نجاح أي عمل في الحياة، لكن يجب أن تكون منفتحاً على تجارب الآخرين، وهنا لا يمكن أن يكون الفنان أنانياً حتى لا ينغلق على نفسه، ولا يرى ما يجري خارج حدود أعماله. بينما التفرد حالة إيجابية، وغايته أن يحقق الفنان تلك الخصوصية التي تميز بها عن غيره مع الاحتفاظ بحق أي فنان للاستفادة من أي أدوات ووسائل لتطوير تجربته، وأن تكون له بصمته التي تميزه عن باقي الفنانين».

بدوره الفنان والناقد "عادل كامل"، يحدثنا عن أعمال "عانا" النحتية بالقول: «الناظر إلى أعمال الفنان "غازي عانا" يرى أن الجسد والفضاء ثنائية في العمل الإبداعي؛ حيث إنه كنحات ينتمي إلى حداثة مزدوجة بين جذورها القديمة ومنطق الاستجابة لحداثة العصر، لا يغادر عمليات التركيب وتأمل مغزى الأشكال الطبيعية ومنها الإنسان؛ فالنحت لديه لا يستقر عند غاية، كتمثله لصراعه الداخلي وانشغاله بعصر يتسم بقسوة التحولات، فكما بصمت أقدم الأصابع فوق كتلها الطينية مشاهد الموجودات، يجد النحات "غازي عانا" نفسه يراقب تغيرات المكان من مكوناته المتباينة؛ فمشروعه اللا شعوري ضمن وعيه واختياراته يمنح فنه تأملاً فلسفياً يغادر إشكاليات "التابلو" وعصور ما قبل اكتشاف النار».

إحدى منحوتاته في حديقة عامة

من الجدير ذكره، أن الفنان "غازي عانا" من مواليد قرية "ضهر صفرا" في محافظة "طرطوس"، عام 1955، خريج كلية الفنون الجميلة، قسم النحت عام 1980، شارك في إعداد وتنظيم عدد من التظاهرات والمعارض والملتقيات النحتية، يكتب في النقد التشكيلي في عدد من المجلات المتخصصة، ولديه العديد من الأعمال النحتية المتوضعة كمنحوتات نصبية في العديد من المعارض والحدائق العامة في "سورية" و"لبنان"، ومدينة "فاس" في "المغرب"، وشغل منصب مدير تحرير مجلة "فنون" للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، رئيس تحرير مجلة "الفنون الجميلة"، ومحاضر في المعهد العالي للموسيقا، معدّ ومخرج للعديد من البرامج التلفزيونية على قناتي "سورية الفضائية" و"تلاقي".

بعض المنحوتات ضمن مشغله