الحلقات المتصلة بصرياً والمتدرجة هارمونياً في عمل النحات "إحسان"، فراغات هوائية تسمو بالعمل وتمكن المتلقي الراغب بالغنى البصري من رؤيته من 360 درجة.

إن العمل النحتي الذي قدمه النحات "إحسان العر" في ملتقى النحت على الخشب بـ"طرطوس"، عمل وظف المحسوس لديه ليكون ملموساً لدى المتلقي، فشدا بموسيقا بصرية يتمنى أن تصبح اعتيادية في مختلف الأماكن العامة، وهذا ما أوحى به خلال لقاء مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 أيلول 2014، مضيفاً: «بالعموم أتمنى أن تشد أعمالي بشكل عام المتلقي ليغتني بصرياً، ويصبح ذواقاً دائماً للفن النحتي عندما يعرض في الأماكن العامة والحدائق والمؤسسات، وهذا شيء مما أتمناه.

المهم أن أحقق رغبتي في العمل وما أرنو إليه فكراً من لحظة مشاهدتي للكتلة العامة، إضافة إلى أنني أهتم بوصول ما يمكن اعتبارها نشوة فكرية للمتلقي، لأن الغاية الأساسية التي أريدها من أعمالي هي رفع الذائقة الفنية للمشاهد المتلقي

وعند تأليف تكوين نحتي أضع دراسة أولية للعمل النحتي وأبدأ العمل بها، وخلال مراحل العمل قد لا تتطابق مراحل العمل مع ما وضعته كتصميم ذهني مسبق في البداية، وهو ما أطلق عليه ميزة العمل الإبداعي، والخصوصية فيه، وهنا أؤكد أنني أصل إلى الفكرة التي أريدها من العمل، ولكن تختلف المراحل.

فالنحت بالنسبة لي عملية خلق، فأحياناً السطح يولد سطحاً آخر، وأيضاً الخط يولد خطاً آخر، والتقاء خطين أحدهما مع الآخر يشكلان سطحاً يوصلني إلى سطح آخر، وهكذا».

ويتابع في توضيح أهمية الفراغات في الكتلة النحتية، فيقول: «خلال العمل بالكتلة المصمتة أجد أنه لا بد من وجود فراغات يدخل من خلالها الهواء فيوحي بإحساس أن الكتلة ترتفع بالهواء، أي إن الفراغ في النحت له قيمة كما الكتلة تماماً، وهناك ارتباط بينهما يعطي شيئاً من الهارموني والموسيقا الرائعة.

النحات إحسان العر خلال مراحل العمل

وهنا لا بد من التأكيد على أن طبيعة الخامة التي أعمل عليها قد تفرض عليّ أحياناً حلولاً خاصة، لأن لكل مادة هويتها الخاصة، فالعمل على الكتلة الخشبية يختلف تماماً عن العمل على الكتلة الحجرية، إضافة إلى روحانية الخشب التي تشعرك بعملية تفريغ للمشاعر بالتعامل معها».

أما عن حديثه بما يخص مشروعه النحتي الذي قدمه في ملتقى النحت الذي أقيم على الكورنيش البحري في "طرطوس" على مدار أحد عشر يوماً، وانتهى في 11 أيلول 2014، فقال: «انتقيت قبل بدء العمل كتلة خشبية من خشب الكينا قطرها نحو ثمانين سنتيمتراً، وارتفاعها نحو ثلاثة أمتار، وهذا الخشب مميز من ناحية لونه الأحمر الجميل بعد الانتهاء من العمل عليه.

والعمل فيه شيء من أمواج البحر والتأليف الموسيقي والهارموني المتدرج من سطح لآخر عبر حلقات من فراغات، دلت على الانتقال بين درجات الصوت حتى المستوى العالي منها أو ما يعرف بالجواب.

وما يميز العمل النحتي بالنسبة لي أنه يجب أن يرى بأبعاده المعنية بالفكرة من مختلف الزوايا والجوانب أي من 360 درجة إن صح التعبير، لذلك اعتمدت في عملي هذا على الدوائر الفراغية المتتالية المتكئة على بعضها بعضاً، وذلك بشكل مدروس وممنهج».

ويضيف النحات "العر": «في العمل خطوط نحتية عمودية وخطوط نحتية أفقية، وما يميز الخطوط المائلة الحركة والليونة والانسيابية فيها، أما الخطوط العمودية فتجسد الصراحة والسمو والارتقاء، في حين أن الخطوط الدائرية جزء من خطوط لولبية تمنح العمل الحركة والليونة، وهو ما يجمل العمل في النهاية.

إضافة إلى أن كل جزء من الكتلة الخشبية تمنح العمل تلوينة خاصة، فالخشب كمقطع عرضي عبارة عن حلقات سنوية تدل على العمر، ولكل منها لونه المميز، وهذا يمنح العمل بهجة وروعة وقيمة فنية.

والتلوين النحتي بالنسبة لي يتم عبر الملمس ما بين السطح الثقيل الناعم والسطح الأخشن، فالسطح الثقيل الناعم يعكس الضوء ويمنح العمل مساحة مريحة، أما السطح الخشن فهو يمتص الضوء ويمنح الظل للعمل النحتي؛ ما يعطي العمل قيمة فنية وحضوراً».

وفيما تختلف قيمة الظل والنور في العمل النحتي والتلوين الخشبي، تبقى الناحية الأهم بالنسبة للنحات "العر" توظيف الفكرة والوصول إليها، وهنا يقول: «المهم أن أحقق رغبتي في العمل وما أرنو إليه فكراً من لحظة مشاهدتي للكتلة العامة، إضافة إلى أنني أهتم بوصول ما يمكن اعتبارها نشوة فكرية للمتلقي، لأن الغاية الأساسية التي أريدها من أعمالي هي رفع الذائقة الفنية للمشاهد المتلقي».

وفي لقاء مع النحات "أنور رشيد" قال: «تابعت عمل النحات "إحسان" منذ مرحلة الكروكي على الأوراق، وأعتقد أنه قد طابق الدراسة على الكتلة خلال مرحلة التنفيذ، والعمل فيه التجريد وفيه الفراغات الجميلة، ويمكن القول إن العمل متوازن بشكل كبير وجميل، حيث تكمن جماليته في الخطوط المنحنية والفراغات واستمرار الخط حول كامل العمل؛ ما سينعكس على المتلقي ليدرك أبعاد الفكرة على الكتلة ضمن 180 درجة».