قيل أنه أنضج فكرة المدرسة الرابعة حينما رسم بالكلمات لوحاته معتمداً على القرآن والإنجيل، فالحرف مجرد والكلمة واللون أيضاً، وكلاهم لخدمة وبناء الإنسان اجتماعية وفكرياً.

هي رسالة الفنان التشكيلي "علي حمدان محمد" ابن قرية "عين قضيب" في ريف ناحية "القدموس" تحدث بها باستفاضة لمدونة وطن eSyria بتاريخ 15 آب 2014، بعد التأكيد في حديثه على أن بداياته كانت بداية خاصة من بيئة فقيرة اجتماعياً وجغرافياً وفكرياً، فقبل المرحلة الاعدادية أفتتح له في مدرسة القرية معرض فردي عن "حرب تشرين التحريرية" لما أظهره من قدرات فنية جيدة بالتعامل مع الألوان والأفكار خلال درس الرسم، أما في المرحلة الاعدادية التي درسها في مدينة "مصياف" ضمن مدرسة "أبي ذر الغفاري" بدأ بالمطالعة والثقافة الذاتية الخاصة بالمعارض والفنون، شغفاً بالفن، وأضاف: «في المرحلة الثانوية تلقيت فنون الرسم على يدي مدرس مادة رسم أكاديمي، وكنت حينما أتعب من الدراسة أتوجه إلى الرسم للراحة النفسية وإذالة الهم والعناء عني، حيث تكلل هذا الحب بدخولي "كلية الفنون الجميلة" وتخرجي منها ضمن المراتب الأربعة الأوائل عام 1988.

محبتي للحرف جعلني أعمل عليه بتقنية عالية ومسؤولية كبيرة، إلى جانب الدقة في توزيع الألوان على كامل السطح الغرافيكي

وأثناء الخدمة الالزامية شاركت بالكثير من المعارض الوطنية، وفي عام 1993 بدأت بالمشاركة في معارض خارجية باسم بلادي "سورية"، وتوسعت الأفق أمامي وتضخمت ذائقتي وأفكاري ومعارفي الفنية ليبدأ نهج الرسم بالكلمات يتضح أمامي ويتبلور بمختلف جوانبه، وأقدم على السير عليه بكل ثقة».

من أعماله

وعن مواضيع أعماله وطريقة العمل عليها قال الفنان "علي" الحاصل على دكتوراه الابداع في بلاغة الرسم والخط من الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية: «مواضيع أعمالي أنتقيها من القرآن الكريم والإنجيل المقدس، من خلال اختيار آيات منهما لنسج الأفكار التي أرغب العمل عليها، لتكون موضوع البحث، وهو في الغالب تنويرياً يحاكي الواقع بذائقة مشبعة بالمحبة والرحمة، أما بالنسبة لطريقة العمل فهي تعتمد على الكلمة لبناء أساس اللوحة، بحيث يكون شكل اللوحة متطابق مع المعنى على مبدأ تطابق الشكل والمعنى، ليذهب المتلقي إلى معنى المعنى الخاص بكل لوحة وفكرة، وهذه الطريقة جاءت على خلفية عبارة تقول "حضرات وراء الكلمات"، إذاً هي كما قالت عنها الدكتورة "يانغ إكيو" من جمهورية الصين الشعبية، "إنها وسيلة رائعة لشرح جوهر الدين، وآمل أن هذه الطريقة بالشرح للدين تستطيع مساعدة الناس على فهم الإسلام"، وقد اطلقت على هذه الطريقة بالرسم اسم "الحمدانية"».

ويتابع: «ضمن معرض شاركت به في محافظة "حلب" حضره رجال الدين الإسلامي والمسيحي، وخلال توضيح مضمون لوحة هي عبارة عن زهرة مؤلفة رسماً من كلمتين هما المحبة والرحمة لأنهما مختصر رسالتي السيد المسيح ونبي الله محمد، وخلال الرسم أوضحت أن المحبة والرحمة يلتقون بحرف التاء وهي تشكل فناَ "تشكيلاً" محور العمل لأتفرغ إلى بقية تفاصيل الكلمتين ومفهومهما العام خلال العمل، قال لي أحد المطارنة "يجب أن نتعلم المسيح منك"، ومجمل هذا الكلام منحني دافع وقوة على تقديم المزيد لأن الرسالة التي نزرتها على نفسي تصل لمستحقيها بهدوء.

زهرة

وهنا يجب القول أن المرحوم الفنان "أدهم اسماعيل" كانت له تجارب بسيطة وخجولة جداً في الرسم بالكلمات وضمن مجالات وأفق ضيق، ولكن أنا وبحسب رأي الدكتور "غازي الخالدي" الذي أطلق على مفهومي بالعمل "الرسم بالكلمات" اسم المدرسة الرابعة، اعتبر أن فن الرسم بالكلمات من أرقى الفنون، واللوحة الحمدانية الترابية الانتماء خصبة العلم والمعرفة متشعبة بين دساكر كتب الله المنزلة من اللوح المحفوظ».

الرسم بالكلمات هو ارابيسك إسلامي أنضجه التشكيلي "علي"، وهنا قال: «ضمن مقال الدكتور "غازي الخالدي" في إحدى الصحف الفنية الخليجية أكد أني من أنضج فكرة الرسم بالكلمات "المدرسة الرابعة"، حيث كان مفهومها يدور حول فكرة التوحيد دون الغوص في جوهرها، فمثلاً غلاف كتاب "نهج البلاغة"، قدمت على عنوانه "نهج البلاغة ذي الفقر وشرحه العصري" للشارح الدكتور "أسعد علي" حوالي 1000 لوحة متكاملة، وهو أمر لم يسبق لأحد أن أَقَدم عليه لصعوبته وتعقيده, وهدفي من كل هذا توحيد الأسرة والمجتمع وإرساء أسس المحبة والرحمة فيهما، من مبدأ يجب على اللوحة أن تخدم المتلقي وتفيده وتغذي ذائقته، ويجب أن يدركها بمعانيها كي تكون مثمرة بالنسبة له، وبهذا أساهم في بناء الأسرة والمجتمع بشكل سليم على أساس المحبة والتسامح التي نادى بها القرآن والإنجيل».

التشكيلي علي حمدان محمد

لقد أهتم التشكيلي "علي" بالمتلقي كثيراً، هنا قال: «أساس اللوحة في جميع المدارس شكل ولون ليعطي المعنى، وبالنسبة لي حافظت على الشكل وأيضاً اللون، ولكن اشتغلت على المعنى القريب على فهم المتلقي، لذلك أقول أن متابعي معارضي يستفيدون ما يقارب خمسين بالمئة من أهدافي من الفني التشكيلين أي أن اللوحة حققت غايتها بالنهوض بمستوى المجتمع، فاللوحة التعبدية بالنهج الحمداني تحمل رسالة فكرية مبسطة سهلة، وأطلق عليها الدكتور "غازي الخالدي" السهلة الممتنعة، وابتعدت فيها عن التكرار واعتمد على تطوير العناصر واستخدام الألوان وطريقة التلوين داخل الحرف وخارجه، فلكل حرف شخصية مستقلة عن غيرها من شخصيات الحروف الأخرى ضمن الكلمة الواحدة، أنه فرد في أسرة، وأعطيه حقه الكامل بذلك».

أما عن المتعة البصرية في النهج الحمداني كما أطلق عليه الدكتور "علي"، قال: «محبتي للحرف جعلني أعمل عليه بتقنية عالية ومسؤولية كبيرة، إلى جانب الدقة في توزيع الألوان على كامل السطح الغرافيكي».

وفي لقاء مع التشكيلية "نجوى أحمد" أكدت أن الرسم بالكلمات عتبات لرؤية مضاعفة في مجال اللوحة الفنية التشكيلية التصويرية العربية المعاصرة، مضيفة: «تعتبر تجربة التشكيلي "علي حمدان" الحروفية التصويرية استمراراً معاصراً وتطويراً واضحاً لانطلاقة رائد الفن التشكيلي السوري المعاصر "أدهم اسماعيل"، فيما يخص تجربته الحروفية التي كتب فيها الكلمة على صورة معناها "خيمة- سمكة- سيف- زهرة".

تختلف تجربة "علي حمدان" الحروفية عن غيره من خلال ثلاثية الطرح البصري الفكري بين الكلمة والصورة والآرابيسك، فالكلمة أو العبارة هي صورة تتضمن صوتاً ومعنى وشكلاً بصرياً.

تتميز لوحته ببساطة المعالجة التقنية التي يؤاخذ عليها من جهة، والحلول التشكيلية الموفقة التي أحاطت بالمضامين الفكرية المتعددة والهادفة من جهة أخرى، إذ طوعت الكلمات والجمل والعبارات المنتقاة بدقة فائقة لصالح المضمون والهدف اللذان بدأا للأسف بالتراجع في اللوحة المعاصرة مؤخراً بفعل تأثير العولمة.

ليس ثمة منهج خطي تقليدي يتبناه هذا الفنان، فالخط لديه ليس قواعدياً بل خطاً عربياً حراً يتلوى بألوانه ليتبع الشكل ويتموضع فيه لضرورة التكوين المطروح والذي بدوره يعبر عن المعنى الذي تختزنه الكلمات، فنرى التحويرات الخطية التي تفضي إلى إنسيابية الكتلة بشكلها النهائي في فضاء اللوحة التي تحمل خصوصية اللون والحركة والشكل البصري، تبعاً لغرض المعنى الفلسفي والإنساني.

مؤلفاته تنم عن أنه باحث في كل ما يكرس مفهوم المقاومة وحس الانتماء للمكان وللوطن وللإنسانية جمعاء يشرح في بعض منها أهداف رسالته الفنية ومضامين بعض من لوحاته ومبرراتها التشكيلية.

تستدعي لوحته تأملاً وجهداً واضحين للوصول إلى أعماق الفكرة التي أنعتها بالفكرة الأخلاقية الإنسانية الخالصة، وهو يرتقي بتجربته التصويرية مستلهماً من التراث الثقافي العربي والفكري والإسلامي والإنساني ليجد له مكانة مهمة بين نخبة من الفنانين العرب الذين يصنعون إرثاً فنياً عربياً مهما يكون بمثابة تركة للأجيال القادمة».