بين يديه يحظى الخشب بحياة أخرى، فهو فنان مبدع طوّع الخشب "رسماً ونحتاً، حفراً وتفريغاً"، أما القصب فأبدع منه أسلوباً جديداً في فن التشكيل.

الملخص: بين يديه يحظى الخشب بحياة أخرى، فهو فنان مبدع طوّع الخشب "رسماً ونحتاً، حفراً وتفريغاً"، أما القصب فأبدع منه أسلوباً جديداً في فن التشكيل.

لدي رسالة "إنسانية، اجتماعية، وطنية"، ورسالتي هي فني الذي أبدعه، والذي يقابل الروح لدي، لأنني في ذلك أحب وطني وأرتقي به وبأبنائه

يسمى الفن التشكيلي الذي يمارسه بـ"الفن التطبيقي" الذي يقوم على استخدام مادة "الخشب" بمختلف الأساليب والطرق، لإنجاز اللوحات والهياكل عبر "النحت، والتفريغ، والحفر، والرسم"، الذي يحتاج إلى درجة عالية من الهدوء والدقة والاتزان، لأن أي خطأ صغير يكلف خسارة العمل بكامله، سواء كان "آية قرآنية" عبر "تفريغ الخشب"، أم رسم لوحة لوجه إنسان بطريقة "حرق الخشب، أو نحت مجسم بالغ الدقة لعصفور أو حيوان أو نبتة».

تفريغ الخشب

يقول الفنان التطبيقي التشكيلي "محمد بلال" في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 نيسان 2014: «يعد فن "حرق الخشب وحفره وتفريغه" من الفنون التشكيلية الصعبة التي تحتاج إلى الدقة والهدوء، وبناء تصور كامل للعمل، إضافة إلى حيز الخطأ فهو شبه معدوم، عدا كون الحرق يعطي فقط لوناً واحداً مع تدرجاته، وبالأخص رسم "البورتريه" الذي يضم تفاصيل دقيقة لوجه الإنسان، وجملة من المشاعر التي يعكسها ذلك الوجه.

أستخدم عادة خشب "الزان والزيتون"، وأحياناً خشب "السوّيد"، إضافة إلى "القصب" الذي أعتبر العمل فيه فناً قائماً بذاته، كما ألجأ إلى بعض الأدوات المعدنية البسيطة لحفر وتفريغ الخشب "منشار خاص، سكين، وبعض الأزاميل" التي أصنعها بنفسي، وهو ما يضيف إلى العمل جمالية أخرى وإحساساً أعمق».

الرسم بالحرق على الخشب

في أحد معارضه الذي تابعه "eSyria" في "مركز ثقافي الدريكيش" بتاريخ 14 نيسان 2014 لاحظنا اعتماد الأستاذ "بلال" على القصب في عدة أعمال تشكيلية، وقد قال عنها: «أدخلت نبات "القصب" –الذي ينمو بكثرة على ضفاف الأنهار– إلى أعمالي التشكيلية كأسلوب جديد اخترعته لبناء الأشكال الفنية، وتلبيس "الهياكل والمجسمات"، مثل "طاحونة المياه" التي كسوتها بـ"القصب" بما يشبه الحجارة الطبيعية التي كانت تبنى منها طواحين المياه، كما قمت بصناعة "أراكيل" لغاية تجارية، تتكون جميع أجزائها من القصب، ولدي قدرة على تطويع نبات "القصب" لخدمة أي فكرة أو أداة أريد تشكيلها، ومهما بلغت من الدقة والتعقيد».

يؤمن الفنان التشكيلي "محمد بلال" برسالة الفن الحضارية الإنسانية، وضرورة ملامسته لجميع تفاصيل المجتمع، باعتبار الفن سجل تاريخي لا يقل أهمية عن السجلات المكتوبة، ففي أعماله التراثية يحرص على إعادة تشكيل كل قطعة تراثية بتفاصيلها الدقيقة، فـ"طاحونة المياه" أعاد بناءها كما كانت في حقيقتها، وجمع لأجلها معلومات من المعمرين، وأجرى دراسة كاملة حولها، حتى أصبحت نسخة طبق الأصل عن الواقع في جميع مكوناتها الداخلية المتحركة والخارجية، مما يقدم فكرة واضحة لزائري معارضه -خاصة طلاب المدارس- عن كيفية عمل هذا البناء التراثي المهم تاريخياً، والمندثر على أرض الواقع، كذلك الأمر بالنسبة إلى "أدوات الفلاحة" التقليدية، والمنزل الريفي، وغير ذلك الكثير من أدوات التراث ومكوناته المادية، وفي تزامن متصل يعكس في لوحاته مجريات المجتمع الحاضر وتطوراته، وما يطرأ عليه من تغيرات إيجابية وسلبية، ومثل ذلك لوحته الشهيرة "النحل العربي" التي ترك فيها النحل حقله الطبيعي من الأزهار وانكب على وجبات السكر المقدمة له، في انعكاس لواقع العرب المتردي.

لوحته الشهيرة "النحل العربي"

كما ويعتبر أن الفن التشكيلي وجد لنستفيد منه، من جهة لنقل أفكار الفنان والتعبير عنها، وبالتالي يكون الفن قد خدم فكرة، وأعاد إحياء مكون تراثي شعبي، ومن جهة أخرى كمصدر للدخل المادي بالاعتماد على بعض المصنوعات الخشبية التي يقبل عليها الناس من الداخل، أو المغتربون والسياح لقيمتها الثقافية والجمالية، بما تستحضره من تراث الأجداد، أو تعكسه من جمال وإبداع، أو لقيمتها الاستهلاكية من قبيل الأعمال "الخشبية والقصبية" التجارية التي يسميها "فن للاستهلاك" يتذوقه الإنسان بلسانه لا بإحساسه، وهنا يعيد صناعة بعض الأدوات التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية "كؤوس، مصاصات، أراكيل،.."، لكن باستخدام الأخشاب والقصب المشغول بطريقة فنية جذابة.

لم يتعلم "محمد بلال" الفن إنما ولد بفطرته فناناً يبعث الروح في الخشب، ومع موهبته التي ظهرت في المرحلة الابتدائية في قريته "ضهر اليازدية" التابعة إلى مدينة "صافيتا" بدأ يبهر مدرسيه برسومه المميزة، ومستمراً في حبه للفن تقدمت به سنوات الدراسة وصولاً إلى "معهد الإلكترون" البعيد تماماً عن عالم الفن، إلا أن الفطرة كانت هي الأقوى فعاد إلى فنه ليعيشه حياة وروحاً، وفي جميع تفاصيل حياته اليومية، حيث أقام ولا يزال معارض لأعماله التشكيلية المتنوعة، عدا معرضه الخاص الدائم في منزله، والمفتوح دائماً في وجه الزوار ومحبي الفن.

يعد موضوع "البطالة" والقضاء عليها في الريف أحد المشاريع المهمة التي حملها الأستاذ "بلال" على عاتقه، وذلك بتعليم النساء والفتيات على بعض الفنون التشكيلية البسيطة "الخرز، والقصب، خيزران، ومكونات الطبيعة التالفة،.." بقصد بيعها والإتجار بها، وأقام لذلك معرضاً متخصصاً في مدينة "صافيتا" لتعريف المرأة بهذا الجانب المهم كمصدر دخل للأسرة الريفية، دون الحاجة إلى تخصص فني لفعل ذلك.

يختم الفنان التشكيلي "محمد بلال" حديثه بالقول: «لدي رسالة "إنسانية، اجتماعية، وطنية"، ورسالتي هي فني الذي أبدعه، والذي يقابل الروح لدي، لأنني في ذلك أحب وطني وأرتقي به وبأبنائه».

وفي حديث عن أعمال الأستاذ "محمد بلال" التقينا الفنان التشكيلي "محمد شعبان" الذي تابع معرض الأستاذ "محمد"، وقال عنه: «تحدى الأستاذ "محمد" في أعماله عموماً، وفي معرضه الأخير جميع صعوبات التشكيل بالخشب، فهو من الفنون الصعبة التي يعمل بها قلة من الفنانين التشكيليين خاصة أنه منحى يتطلب الدقة البالغة "حفر، وتفريغ، وحرق"، وبالنسبة للوحاته فهي عدا مراعاتها لجميع متطلبات العمل الفني، تنقلك إلى عالم لا متناهٍ من الجمال والتفرد في أسلوب العمل التشكيلي».