الموسيقى هي غذاء الروح كما يُقال، أمّا الأستاذ "الملحّن محمّد بلّول" فيعتبرها أكثر مجالات الحياة التي يرغب في البقاء قربها طوال الوقت، يعيش الأستاذ "محمّد بلّول" في قرية "الجرويّة" قضاء"صافيتا" ومن هنا انطلق في تجاربه الفنيّة من التعامل مع الأجهزة الصوتيّة بأنواعها إلى تعهّد الحفلات الموسيقيّة والتلحين للأغاني الشعبيّة والتراثيّة التي يحاول حديثاً إعادة إحياءها.

يقول الأستاذ "محمّد": «بدأت تجربتي في التلحين عام 1995 أثناء وجودي في دورة غناء جماعيّة تابعة "لاتحاد شبيبة الثورة"، وقد أشرف على تدريسنا الأساتذة "بليغ سويد وسعيد قطب.." وغيرهم من أساتذة التلحين، وأذكر أنّ الأستاذ "سعيد قطب" علّق على مقطوعتي الموسيقيّة التي ألّفتها بعبارة "لابأس أن تُعزف في الصف" وهذه كانت شعلة البداية لعملي كملحّن ».

لكل شيء ثمن وثمن عملي كملحّن أن يكون منزلي "استديو" للتدريب الموسيقي والغنائي لذا أشكر زوجتي التي تساعدني في كل أعمالي رغم عملها وتشد أزري لتحقيق ما أسعى إليه

أمّا عن كتابته للأغنية بالإضافة لعمله في التلحين فيقول الأستاذ "محمّد بلّول": «كتبت عدّة أغاني طربيّة وتراثيّة وحتّى شعبيّة لكن لم أنشرها مع أنّي أرغب بذلك، بالأخص الأغنية التراثيّة كاهتمام شخصي، أمّا في التلحين فقد لحّنت العديد من الأغاني أذكر أهمّها "طرطوس تعانق بحرها وأطفال سورية" من كلمات الأستاذ "اسماعيل ديب"، وهي مسجّلة "للتلفزيون السوري"، وأقوم بتسجيل أغاني خاصّة في مركز"استديو السوسن" الخاص بي».

أحمد ونغم بلول

سألنا الأستاذ "محمّد" عن واقع الأغنيتين التراثيّة والشعبيّة من خلال تجربته الفنيّة فقال: «يجب بدايةً التفريق بين الأغنية التراثيّة والأغنية الشعبيّة، فالأغنية التراثيّة هي ببساطة "الضيعة وعاداتها وأشجارها ومواسمها.." أمّا الأغنية الشعبيّة فقد حملت الألفاظ التراثيّة إلى سوق الرقص والغناء الجيّد والهابط حدٍّ سواء بحيث فقدت مضمونها وغدت وسيلة لإثارة الناس على "الدبكة" في الحفلات، وعن واقع النوعين فإنّ الأغنية الشعبيّة واسعة الانتشار وتكاد الأغنية التراثيّة تندثر وهذا يثير قلقي لأنّ أغنية التراث كالأغنية الوطنيّة تعبّر عن الهويّة وتذكّر بماضي الإنسان وتأرّخ لمرحلة طويلة في حياة البلد، ومن جهة أخرى أنا أتعامل بحكم الواقع مع الأغنية الشعبيّة بشكل كبير في حين أن الأغاني التراثيّة تشكّل اهتمام شخصي أتعامل معه حين أكون لوحدي كما أعلّمه لطلاّبي».

بما أنّ واقع الأغنية التراثيّة بهذا الشكل فما هي الوسيلة لإحيائه؟

الشاعر قيس حسين

لا يعتقد الأستاذ "بلول" كل ما يطلبه الناس هو مفيد لهم، ويضيف بالقول: «لن ننتظر حتّى يطلب أحدُ منا سماع أغنية تراثية، لذلك قامت الفكرة بالتعاون مع عدد من الأدباء والكتّاب منهم الأساتذة "جمال اسماعيل واسماعيل ديب وقيس حسين.." بالإضافة للمركز الإذاعي والتلفزيوني في "طرطوس" لتسجيل الأغاني التراثيّة تباعاُ وتجديدها في اللحن والغناء وجمع كلماتها بشكل دقيق، لتُذاع هذه الأعمال على "التلفزيون السوري" تباعاً وتكون قد حُفظت في نفس الوقت».

لاأحد يناقش بجمالية الأغنية التراثيّة وأهميتها لكن مادور الصوت في نجاح هذه الأغنية؟

«يعتبر الصوت أساس لإيصال الكلمات وقبولها في أذن المتلقّي الذي اعتاد سماع الأغنية الشعبيّة الصاخبة، فالمطرب الذي يعيش الكلمة التي ينطقها وتدخل في صميم إحساسه يستطيع إقناع المستمع بالاستمرار في السماع وهذا جانب مهم نسعى لتحقيقه‘ وفي هذا الإطار نتعاون مع الشباب الجدد من روّاد "اتحاد شبيبة الثورة" الذين أثبتوا مهارة حقيقيّة في الأداء وأنا في الأساس كنت واحد منهم كما أنّي أدرّس الموسيقى لعدد منهم بالتالي يكون التعامل معهم أسهل».

يقول الأستاذ "محمد" في نهاية حديثه: «لكل شيء ثمن وثمن عملي كملحّن أن يكون منزلي "استديو" للتدريب الموسيقي والغنائي لذا أشكر زوجتي التي تساعدني في كل أعمالي رغم عملها وتشد أزري لتحقيق ما أسعى إليه».

موقع "eSyria"التقى ولدي الأستاذ "محمد بلّول" "أحمد ونغم بلّول" اللذان تحدثا عن تدريب الذي يتلقانه من والدهما على الموسيقى، وبدأ مع "أحمد" الذي تحدث بالقول: «علمني والدي العزف على "الأورغ" وقد أصبحت أعزف أغاني شعبيّة وأغاني تراثيّة والتي أجدها أصعب من الشعبيّة فعزفت "لأمّ كلثوم ولفيروز"، وذلك خلال مشاركاتي في المناسبات والاحتفالات في المدرسة والمراكز الثقافيّة، وأصبحت أساعد والدي في بعض الأعمال الفنيّة وتعليم الأطفال المتدربين».

أمّا "نغم" فتقول: «علّمني والدي الغناء وأصبحت الآن أغنّي مع أخي في الحفلات المدرسيّة، وشاركت في حفلات معسكرات الطلائع والمركز الثقافي في "الدريكيش"، كما بدأ والدي بتعليمي العزف على بعض الآلات الموسيقيّة».

الشاعر "قيس حسين" /صديق الأستاذ "محمد"/ تحدث بالقول: «تعاملت مع الأستاذ "محمّد بلّول" في الفعاليات والنشاطات الثقافيّة والفنيّة التي تقام في منطقتنا، ويتميّز بأنه كعازف وملحّن؛ أعطى قيمة خاصّة لما يتم تقديمه في هذه النشاطات، بحيث أتاح لنا إبراز الهوية الفنيّة التراثيّة لمنطقتنا عبر ألحانه المميّزة والمتأثّرة بالتراث المحلّي، وأرى بأنّ الفن هويّة حضاريّة وإرث ثقافي للمجتمع، ومن خلال الأغنية التراثيّة نستطيع أن نوثّق أحاسيس أجدادنا وأفكارهم، لذا أعتقد أنه في حال تم توثيق الأغنية التراثيّة وإحياءها والسير بها جنباً إلى جنب مع الإنتاج الفنّي الحديث، فإن النوعين سيكتب لها النجاح بغير تضاد ولاتناقض بينهما لأنّ لكليهما مكانته وحضوره الكبير».