أكثر من مناسبة تراثية لا تزال مصدراً للفرح لدى أهالي الساحل السوري، ففي شهري كانون الأول والثاني من كل عام توقد النار في كل بيت تقريباً لإعداد وجبات طعام تراثية احتفالاً بقدوم عيدي "البربارة" في السادس عشر من كانون الأول، ورأس السنة حسب التقويم الشرقي والمعروف محلياً باسم "القوزلة" في الثالث عشر من كانون الثاني.

لكل منطقة أسلوبها الخاص في إحياء المناسبتين، لكنها جميعاً تجتمع حول طقوس وعادات جرى توارثها من جيل لآخر، طقوس تصنع البهجة والسرور والزيارات الاجتماعية، وحسب ما تقول "ماجدة حسن" لمدوّنة وطن: «ففي السادس عشر من كانون الأول نحتفل بعيد البربارة، وهي مناسبة متوارثة اعتدنا إحياءها في كل عام من زمن الأجداد حتى يومنا هذا، نبدأ بطهو البربارة منذ الصباح الباكر، وذلك بوضع قِدر كبير يحتوي على الماء والقمح والدجاج البلدي على الحطب المشتعل، وبعد الغلي نبدأ بالتحريك المستمر بملعقة خشبية كبيرة حتى تمتزج المكونات مع بعضها، ثم نضيف كميةً وفيرةً من الزبدة أو السمن البلدي، وعملية الطهو هذه تستغرق ساعات نجلس خلالها حول الموقد نتبادل الأحاديث والضحكات في أجواء احتفالية متميزة، وما إن يتم إنزالها عن النار حتى نبدأ بعملية سكب الأطباق وتبادلها مع الأصدقاء والمقربين والجيران، وإعداد البربارة ليس حكراً فقط على أهالي القرى، بل تعدُّ في المدينة أيضاً، لكن يبقى للأجواء الريفية طابعها الخاص حيث الطبيعة ورائحة الحطب المشتعل واجتماع الأهل والأحبة". وتضيف: «"وما أن ننتهي من يومنا الاحتفالي هذا حتى نبدأ التفكير بالتحضير لمناسبة تراثية أخرى، والتي تصادف اليوم الأخير من كانون الأول، إنها "البشارة" وفيها نحضر الكبب بأنواعها وعلى وجه الخصوص "الكبيبات بالسلق، وهي مناسبة يحييها أهالي معظم الريف الطرطوسي ويالأخص قرى ريفي "بانياس" والقدموس"».

سابقاً كنا نزين ساحات القرى، ونعقد الاحتفالات والدبكات ولا بد من ترديد بعض الأغاني التراثية الخاصة بالمناسبة، وفي هذا اليوم كانت تتم المصالحات بين المتخاصمين، وزيارة قبور الموتى لقراءة الفاتحة على أرواحهم، وصولاً إلى المساء حيث تقوم كل قرية بإشعال النيران، وستتباهى بكبر نارها المتقدة، والتي ترى على مسافات بعيدة

بعد انتهاء احتفالات البربارة والبشارة وأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الغربية، ومع دخول العام الجديد وبالتحديد الأسبوع الثاني من كانون الثاني يبدأ الناس بالتحضير للاحتفال بعيد رأس السنة حسب التقويم الشرقي والمعروف بـ"القوزلة"، وهي كلمة آشورية تعني "إشعال النار، لهذا السبب كثيراً ما تُسمع عبارة (بدنا نقوزل) أي سنشعل النار للاحتفال، والتحضير لهذا اليوم يحتاج لمراحل كثيرة يشرحها "محمود بدور" بقوله: «في الماضي كان الناس يتباهون بكبر الذبيحة في هذه المناسبة ومن ستكفي ذبيحته لأيام أكثر، لذلك كثيراً ما كنا نرى أن بعض العائلات المقتدرة مادياً تشتري العجول، لكن بشكل عام الغالبية تعتمد على طهو لحوم الجدي، فيشترون الجدي قبل عدة أشهر إلى أن يحين اليوم المنشود فيكون قد اكتنز باللحم والدهن، فتعدُّ الذبيحة وتقطّع للشواء، لكن في الوقت الحالي ونظراً للوضع الاقتصادي أصبحنا نعتمد على لحوم الدجاج كونها الأرخص ثمناً، وإلى جانب تحضير طبق اللحم المشوي تقوم السيدات بتحضير خبز "القوزلة" أو كما يسمى محلياً بفطائر "الميلادي"، وله طريقة خاصة في إعداد عجينته وخلطها بزيت الزيتون بكميات وفيرة جداً، وخبزها إما على التنور أو الصاج، ولكل نكهته المميزة"».

طهو البربارة على الحطب

ويستذكر بعض طقوس الماضي فيقول "«سابقاً كنا نزين ساحات القرى، ونعقد الاحتفالات والدبكات ولا بد من ترديد بعض الأغاني التراثية الخاصة بالمناسبة، وفي هذا اليوم كانت تتم المصالحات بين المتخاصمين، وزيارة قبور الموتى لقراءة الفاتحة على أرواحهم، وصولاً إلى المساء حيث تقوم كل قرية بإشعال النيران، وستتباهى بكبر نارها المتقدة، والتي ترى على مسافات بعيدة».

وعما تحمله هذه المناسبات من قيم اجتماعية يتحدث "علي حسن" وهو معمر من إحدى قرى ريف "القدموس": «تكمن أهمية إحياء هذه المناسبات في كونها تضمن استمرارية عاداتنا وتقاليدنا التي بدأت منذ آلاف السنين ووصلت إلينا أبّاً عن جد، ولها الكثير من القيمة الاجتماعية، بما تحدثه من مصالحات ولقاءات بين أناس فرقتهم متطلبات الحياة الحالية وطلب العيش، وإحياء هذه المناسبات في قرانا رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة يعدُّ بمنزلة تمسك بالهوية التراثية لمجتمعنا ونحن حريصون على الحفاظ عليها ونقلها لأحفادنا فهي تمثل الجانب النقي المتبقي من مجتمعاتنا».

تحضير فطير الميلادي
إعداد الكبيبات بالسلق