قدم الشاعر "علي غانم" كلماته الشعرية بأسلوب أنيق، وأغناها بالصور والموسيقا العذبة التي تحمل الهمّ الوطني والثقافي، فهو ابن بيئة أغنت الثقافة أدباً، وحملتها همّاً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "علي غانم" بتاريخ 28 حزيران 2018، ليحدثنا عن بداياته، حيث قال: «البداية بعد الريادة الطليعية على مستوى المحافظة في الفلسفة، حيث كانت لي محاولات بسيطة للتعبير عن لحظات معينة أو مواقف بحد ذاتها، للتفريغ عما في الفؤاد من جرعات حزن وألم.

للبيئة والحاضنة الاجتماعية أثر لا يقل أهمية عن العامل الوراثي في مجال الإبداع الأدبي؛ فالأديب سواء كان شاعراً أم قاصاً أم روائياً، هو وليد مجتمعه يحمل معاناة الناس ويجعل منها قضيته، ويحاول أن يبرزها ويلقي الضوء عليها من خلال أدبه لعلها تلقى التأييد والحلول

ربما كان من العوامل المؤثرة في محاولتي لاقتحام عالم الأدب السحري، أن والدي كاتب معروف وله كتابات ترجمت إلى اللغة الروسية، مع وجود مكتبة ثرية في منزلنا تغري أياً كان للإبحار في مضامينها؛ أي إن العامل الوراثي كان له أثر كبير بالنسبة لي، وكذلك لنا كبير الشرف أن الشاعر الكبير "بدوي الجبل" من عائلتنا، كما أن عمي "نواف" رئيس تحرير "دبي الثقافية"؛ أي إنني سليل عائلة امتهنت الثقافة والأدب».

خلال توقيع كتابه

وأضاف: «للبيئة والحاضنة الاجتماعية أثر لا يقل أهمية عن العامل الوراثي في مجال الإبداع الأدبي؛ فالأديب سواء كان شاعراً أم قاصاً أم روائياً، هو وليد مجتمعه يحمل معاناة الناس ويجعل منها قضيته، ويحاول أن يبرزها ويلقي الضوء عليها من خلال أدبه لعلها تلقى التأييد والحلول».

وبالنسبة لإصداره الأدبي الذي حمل عنوان: "ونسيت أن أنسى"، فقال: «إصداري الأول أو كما أحب أن أسميه مولودي الثالث، عبارة عن مجموعة من الرسائل موجهة إلى عدد من الأشخاص، ممن ساهموا في تكوين شخصيتي كبداية، كالوالدين، ومن سار معي في خطي الإنساني الذي ارتضيته أسلوباً لحياتي كزوجتي وأطفالي، ومن دعمني حتى أستمر بهذا النشاط، فأنا مدير فريق المتطوعين في "الملتقى الوطني للثقافة والإعلام" الذي يعنى إضافة إلى الثقافة بعائلات الشهداء والأيتام.

من شعره

إذاً، إصداري حمل رسائل الحب والوفاء والشعور بالعرفان لدماء الشهداء في هذا الوطن».

وفيما يخص مفرداته الأدبية، قال: «أميل بوجه عام إلى البساطة بكل ما تحمله من معنى، فأدبي ليس موجهاً إلى الطبقة المثقفة فقط، بل موجه بأسلوب مباشر إلى الناس البسطاء المتعبين مثلي من تفاصيل الحياة اليومية، ولأنني أنتمي إلى هذه الشريحة وأحبها، ارتضيت وعملت على أن تكون باكورة أعمالي بسيطة المفردات قريبة من قلوب العامة.

مع أسرته

ولأنني أنحدر من بيئة قروية مفعمة بالحب والثقافة والعطاء والإيثار والمتشبعة بالوطنية، كتبت لرمز العطاء المرأة السورية بوجه عام أياً كان موقعها؛ لأنها بالنسبة لي رمز».

وعن الحركة الثقافية في المحافظة، قال: «بلا شك، الحركة الثقافية بالمحافظة كانت في أبهى حللها قبل أن تشن هذه الحرب على بلادي، لكن على الرغم من كل مفرزاتها، لا شك أن "طرطوس" بقيت نقطة مضيئة في سماء الأدب والثقافة السورية بكل مكوناتها، فالعديد من الملتقيات والمنتديات الثقافية عملت بجد خلال هذه الفترة، وحافظت على مستويات معينة لا بأس بها، جنباً إلى جنب مع مديرية الثقافة التي كان لها دور لا يمكننا إغفاله، كما عمل بعض رجال الأعمال مشكورين على دعم هذه الحركة والنشاطات.

إذ للحركة الثقافية دور مهم في رقي أي مجتمع أو تأخره، وهذا الكلام لا يأتي من فراغ، بل هو كلام علمي مبني على تجارب، منها ما مرّت به بلادنا العربية وإن كان تأثيرها أقل مما حصل في "أوروبا" مثلاً».

الشاعر "علي" يكتب الشعر لأنه يملك إحساساً خاصاً، وهنا قال: «الشعر هو ذلك الإحساس الذي يجول في خاطري، فأشكل بالكلمات ما أراه أجمل اللوحات وأعذب الموسيقا، لأكوّن في النهاية قصيدة أو خاطرة تعبر عما في داخلي من أحاسيس ومشاعر.

فالشعر هو تلك التراكيب المؤلفة من ألفاظ فنية متناسقة ومعبرة عن شعور قائلها ومعاناته، حيث توصل المراد إلى القارئ والمستمع مباشرة أو عن طريق الرمز الذي تعود الشاعر استخدامه، وكما يقول "ابن رشيق" عن الشعر: "وإنما سمي الشاعر شاعراً لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره"».

وفي لقاء مع الأديبة "راغده شفيق محمود"، قالت: «لقد حمل عنوان إصدار الكاتب "علي": "ونَسِيتُ أنْ أنْسَى" ما يثيرُ الخيالَ، فحرفُ السين المهموس يدلّ على الرقة بصوته النقي وبإحساس جميل يداعب الخيال كما تداعب أسنان المشط الشّعر، فهي السكينة في حرف نوراني وسرّ روحاني يرافقهُ حرفٌ جهورٌ يدلّ على الظهور والبروز في نغمة حزينة تحمل الرّفعة وانبثاق النّور بعد معاناة طويلة.

لقد تمكن الكاتب من اختياره الموفق للعنوان، فكلماته تنساب تراتيل وابتهالات، لتظهر الصّور، وكأنّكَ أمام فنان يرسم بالكلمات شعراً، فتسافر مكنونات النفس خلف تفاصيل الكلام وتغوص مع حروف اللّغة الماتعة».

وتضيف: «الشّاعر لم يجلسْ في برجه العاجي ينظم الكلمات، بل مشهودٌ له بوطنيته وربط القول بالفعل، ويخاطب القديس الواثق بالنصر، وأذكر هنا ما قاله في قصيدة "بوح":

"يا قديسُ

تكالبَ البغاةُ عليكَ

فبقيتَ واثقاً

ما انكسرتَ"

وبالنسبة إلى صوره الشعرية، فهي تحمل أجمل الألوان، وبوحاً شفيفاً يحمل عبقِ حروفه الّتي حملت مدلولات كثيرة، تدفعنا إلى رحلة ممتعة في رحاب ديوانه الشّعري الأنيق بالحرف والفكر».

يشار إلى أن الكاتب "علي نزار غانم" من مواليد "القاهرة" عام 1976، ويسكن في مدينته الأم "طرطوس"، وهو خريج كلية الحقوق.