ما يزيد على مئة عام عاشتها "ماري مصطفى عباس" في العمل الدؤوب وعزة النفس وقوة الإرادة، جعلت منها حالة خاصة، ونموذجاً للأم السورية المناضلة في سبيل لقمة العيش الكريم.

تعيش المعمّرة "ماري مصطفى عباس" مع ابنتها الوسطى التي يقارب عمرها السبعين عاماً في بيت ريفي بسيط جداً، معتمدتين على نفسيهما على الرغم من الظروف القاسية.

تزوجت في سن العشرين، ولدي ثمانية أولاد، خمسة منهم ذكور، وثلاث إناث، توفي زوجي منذ سنوات طويلة جداً، وتوفي ثلاثة من أبنائي، ولدي الآن ما يزيد على مئتي حفيد وحفيدة

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 1 أيار 2018، قرية "بدوقة" في ريف "القدموس"، والتقت المعمّرة "ماري"، حيث قالت: «ولدت ونشأت في قرية "نحل العنازة" التابعة لريف مدينة "بانياس"، وذلك منذ ما يزيد على مئة وعشرين عاماً، ومن المعروف أنه في تلك الفترة كان الكثيرون من أهالي الريف لا يقومون بتسجيل أبنائهم هرباً من أحكام وقوانين الاحتلال العثماني، وبعده الاستعمار الفرنسي الظالم، ولم يتم تسجيلي طوال تلك الفترة، ولم أكن أملك أي أوراق ثبوتية، وقد تم تقدير عام ميلادي تقريبياً بعد سنوات طويلة من قبل دائرة النفوس، وحينئذٍ تم منحي هوية شخصية، حيث تم تسجيل مواليدي في العام ألف وتسعمئة وتسعة عشر، علماً أنني ولدت قبل هذا التاريخ بعدة سنوات».

المعمرة ماري وابنتها نايلة

وتضيف: «تزوجت في سن العشرين، ولدي ثمانية أولاد، خمسة منهم ذكور، وثلاث إناث، توفي زوجي منذ سنوات طويلة جداً، وتوفي ثلاثة من أبنائي، ولدي الآن ما يزيد على مئتي حفيد وحفيدة».

أما ابنتها "نايلة شحود"، فقد قالت: «في هذا السن المتقدم جداً تعاني والدتي ضعف السمع، أما صحتها الجسدية، فلا بأس بها، ومازالت حتى اليوم تقوم ببعض الأعمال، فهي لم تعتد يوماً الحياة السهلة، ومنذ أن كانت في مقتبل العمر ناضلت وكافحت في سبيل كسبها للقمة العيش. وبعد زواجها من والدي الذي أصيب بالعمى عملت وعانت في تأمين لقمة عيشي وإخوتي، وأذكر من قصصها في الماضي البعيد أنها كانت تذهب من قريتنا التي تتبع إلى منطقة "القدموس" إلى مدينة "محردة" التابعة لمدينة "حماة" سيراً على الأقدام، لتعمل هناك مقابل حصولها على كمية من القمح، وتعود بعدها عبر الممرات الجبلية القاسية والوعرة بعيداً عن عيون دوريات الاستعمار الفرنسي آنذاك، حيث كانت تصادر القمح الذي يمتلكه الأهالي بهدف حرمانهم منه والضغط عليهم، ومعلوم أن المنطقة هنا كانت أحد معاقل ثورة الشيخ "صالح العلي" ضد الفرنسيين، وهي فترة كان لوالدتي فيها الكثير من الذكريات والحكايات، خاصة مرحلة جلاء آخر جندي فرنسي، لكن الآن خانتها الذكرة بعد هذا العمر وسنواته الطويلة. وأيضاً في سبيل كسب لقمة العيش بعيداً عن طلب الحاجة، كانت دائمة التجول في الأراضي لتجمع ما تجود به الطبيعة من أعشاب برية متنوعة، وعلى هذه الحال نشأت وإخوتي في ظل جناح امرأة لم تعرف يوماً سبيلاً للتعب أو الملل أو التذمر».

هويتها الشخصية

حتى هذا اليوم ما زالت المعمّرة "ماري" تمتلك علاقة طيبة مع أهالي قريتها البسيطة، ومنهم المدرّس المتقاعد "جميل ديب"، الذي تحدث عنها بالقول: «ما زلت أراها في صلابتها تشبه صلابة صخور قريتنا، فهي من النساء المكافحات المناضلات التي تكسب لقمة عيشها بكد يمينها، وأكثر ما يميزها عزة النفس التي قل نظيرها، فترفض أي نوع من المعونة أو المساعدة حتى ولو كانت من قبل أفراد عائلتها أو الجيران. وما زالت مصممة -على الرغم من تقدم سنوات العمر بها- على أن ترافق ابنتها للعمل في حراثة وزراعة وحصاد ما تملك من أرض بمحصولي التبغ والقمح بغية تأمين بعض متطلبات الحياة البسيطة».

يذكر أن والد المعمّرة "ماري عباس" توفي عن عمر مئة وخمسة وعشرين عاماً.