تمكن أهالي قرية "الشندخة" من استثمار شجرة الغار الحراجية لتحقيق مردودية اقتصادية عالية استعاضوا بها عن عدم نمو الأشجار المثمرة في بيئة صعبة مناخياً، فباتت الشجرة التجارية والصناعية والسياحية.

تعدّ شجرة الغار من أقدم الأشجار التي نمت في قرية "الشندخة" الواقعة شرقي ريف مدينة "بانياس"، وتعدّ بعراقتها التي بات أهالي القرية يدركونها تماماً، متقاربة من شجرة الزيتون المباركة، وتتشارك معها في الأهمية والعناية، وهنا قال المدرّس "عيسى نعوس" من أهالي وسكان القرية: «بالعموم هي شجرة حراجية كما باقي الأشجار الحراجية التي تنتشر في ربوع القرية خاصة، والمنطقة الريفية عامة، وتتميز بقوتها وتحديها للظروف الطبيعية والمناخية، وذلك انطلاقاً من نموها الجيد في أقسى الظروف المناخية في قريتنا "الشندخة"، التي تعدّ قرية باردة جداً في أغلب أوقات السنة.

يلعب الغار دوراً مهماً وأساسياً إلى جانب كل من أشجار "البلوط والسنديان" في المجال السياحي، من حيث إعطاء المرتفعات والسفوح الجبلية في قريتنا جمالاً خضرياً مستمراً على مدار العام. أما في المجال البيئي المرتبط تماماً بطبيعة هذه الشجرة وتكوينها الدائم الخضرة، فهي تساهم بدورها الكبير بعمليات تنقية الهواء من الملوثات وغاز ثنائي أوكسيد الكربون؛ وهو ما جعل مناخنا الجبلي القروي لطيفاً ونقياً ومشبعاً بالأوكسجين

وتتميز أيضاً بتحديها للصخور الجبلية الصلبة، حيث يمكن أن نرى نموها طبيعياً بينها أو عليها، حيث تشق طريقها نحو التربة والرطوبة وأشعة الشمس التي تنعكس بمجملها إيجاباً على طبيعة نموها، وهذا يعني أن جذورها قوية جداً وعنيدة في طبيعة نموها بين الشقوق الطبيعية أو التي تصنعها بنفسها ليبقى المجموع الخضري فتياً ونضراً.

المدرّس عيسى نعوس

ومجمل هذه الميزات والمواصفات فتقت وعي الأهالي نحو إمكانية تسخير وجود هذه الشجرة طبيعياً لتحقيق فائدة اقتصادية، لتصبح أهميتها وقيمتها المجتمعية بأهمية أي شجرة زراعية، فأصبحت بالنسبة لهم شجرة مباركة يجب العناية بها بأفضل الطرائق والأساليب بخلاف بقية التجمعات السكانية الريفية الأخرى، التي ما تزال تعدها شجرة حراجية فقط».

قدم الأهالي كامل العناية والمحبة لهذه الشجرة البرية، وهنا قال مختار القرية "عيسى محمد نعوس": «من أهم جوانب العناية الأساسية التي انطلقنا بها تجاه شجرة "الغار"، عمليات عزلها كشجيرة عن بقية الأشجار الحراجية الأخرى، مثل: "السنديان، والجربان، والبيبود، والبطم البري"، لنختصر عليها مرحلة من المراحل الحياتية التنافسية لاستمراريتها، كما قدمنا لها عمليات رعاية متقدمة ومتطورة كما الأشجار الزراعية، فبات الجميع يقلمونها ويهذبونها بأسلوب جميل ومفيد؛ وهو ما سمح لها بنمو مختلف عما كانت عليه سابقاً، وهذا انعكس إيجاباً على إنتاجها للثمار، أو ما يعرف شعبياً بـ"حب الغار"، كما عمدنا إلى تهيئة بيئة زراعية حياتية مثالية لنموها، كتجهيز موقع نموها زراعياً، وبناء السلاسل الحقلية لمنع انجراف التربة».

شجيرة غار فتية بعد عملية تقليمها

وبالنسبة للثمار "حب الغار"، قال المهندس "خليل محمود" من أهالي وسكان القرية: «الجزء الأهم من محصول شجرة الغار هو الثمار ذات اللون الأسود، ولها شكل يشبه شكل ثمار "الزيتون" من الناحية الخارجية.

حيث تقطف الثمار ما بين شهري تشرين الأول والثاني، عندما تكون قد نضجت نضجاً كاملاً، ويمكن معرفة هذا من خلال كثافة الزيت فيها، وبعد قطافها يستخلص الزيت منها بعملية العصر، ثم يستخدم الزيت في عدة مجالات، منها التجارية والصناعية.

المهندس خليل محمود

في المجال التجاري يباع الزيت بالليتر، وبأسعار مرتفعة يحقق مردودية اقتصادية عالية للعاملين فيه.

أما في المجال الصناعي، فنعمد إلى صناعة صابون الغار الطبيعي الصافي 100%، الذي يعد من أفضل وأجود أنواع الصابون على مستوى العالم، وأكثرها فائدة للشعر والبشرة على حد سواء».

كما أن لشجرة الغار أهمية سياحية وبيئية، قال عنها "خليل": «يلعب الغار دوراً مهماً وأساسياً إلى جانب كل من أشجار "البلوط والسنديان" في المجال السياحي، من حيث إعطاء المرتفعات والسفوح الجبلية في قريتنا جمالاً خضرياً مستمراً على مدار العام. أما في المجال البيئي المرتبط تماماً بطبيعة هذه الشجرة وتكوينها الدائم الخضرة، فهي تساهم بدورها الكبير بعمليات تنقية الهواء من الملوثات وغاز ثنائي أوكسيد الكربون؛ وهو ما جعل مناخنا الجبلي القروي لطيفاً ونقياً ومشبعاً بالأوكسجين».

كما للغار استخدامات أخرى، أوضحها بقوله: «يوجد نوع من أنواع أشجار "الغار"، وهو البري كثيف المجموع الخضري "الأوراق"، لكنه غير مثمر، ويتميز بأنه سريع الاشتعال نتيجة وجود مواد زيتية فيه، نستخدم أغصانه حين التقليم لإشعال التنور لصناعة الخبز البلدي "التنور"، فيضفي نكهة خاصة على الخبز، كما نستخدمها لإشعال المدافئ في فصل الشتاء؛ لأن اشتعالها سريع وقوي، ناهيك عن أن هذه الأوراق الخضراء تستخدم كتوابل خاصة في الطهو، وقد أدركتها جيداً النساء في المطبخ الشرقي».