يعدّ المربي الراحل "إسماعيل أبو عبد الله" من أوائل المتعلمين في "القدموس"، وأحد المؤسسين لنهضتها العلمية، في مسيرة تجاوزت الخمسة والأربعين عاماً، لم ينقطع فيها يوماً واحداً عن مزاولة مهنته كمدرّس.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 كانون الأول 2017، المهندس المدني "طريف إسماعيل أبو عبد الله" ليحدثنا عن بعض تفاصيل حياة والده المربي الراحل "إسماعيل إبراهيم أبو عبد الله"، حيث قال: «ولد أبي في بلدة "القدموس" في عام 1931، في أسرة متوسطة الحال، وقد كان والده يملك متجراً صغيراً في سوق البلدة القديم، وكان ذا مكانة اجتماعية رفيعة نتيجة طيبته وصدقه واستقامته، وهو الأخ الأصغر لشقيقه "يوسف" وثلاث شقيقات، وقد درس الابتدائية في مدرسة البلدة وانتقل لدراسة المرحلة الإعدادية في مدينة "بانياس"، ثم باشر التدريس عام 1948 قبل حصوله على الشهادة الثانوية من مدينة "اللاذقية"، حيث كانت "القدموس" تابعة لها إدارياً آنذاك، وعيّن بعدها في ريف "حلب" قرية "شيخ الحديد" في الشمال السوري لمدة عام، لينتقل إلى بلدة "العنازة" في ريف مدينة "بانياس"، ثم عاد إلى "القدموس"، وعلى الرغم من أنه كان حينئذٍ طالباً في جامعة "دمشق" قسم التاريخ، إلا أنه لم ينقطع يوماً عن عمله كمدرّس».

بعد خمس وأربعين سنة في التدريس، رأيت والدي يحضّر درسه، وعند سؤالي، أجابني ببساطة إنها في نظره عملية ضرورية لا يمكنه الانقطاع عنها حتى ولو أنه يحفظ كل تفصيل في الكتاب. وفي عام 1993 سمع أن ثانوية "حمام واصل" بحاجة إلى مدرّس تاريخ، فسارع لتولي المهمة بقناعة منه أن طلاب الشهادة يجب ألا يبقوا بلا مدرّس، وكان عمره حينئذٍ اثنين وستين عاماً، وكان يضطر أحياناً إلى قطع سبعة كيلو مترات مشياً على الأقدام

ويتابع: «تخرّج والدي في الجامعة عام 1964، وجاء تعيينه في مدينة "مصياف" التابعة لمحافظة "حماة"، وفي عام 1965 عاد إلى "القدموس" كمدير لثانوية "المتنبي" التي أصبحت خلال مدة إدارته من أشهر الثانويات، ولا سيما أنها كانت مركز تجمع لكل الأرياف المجاورة لكونها الثانوية الوحيدة في المنطقة، وطوال مدة إدارته لم ينقطع يوماً عن تدريس مادته، فقد كان يرى في التعليم وروعة الدخول إلى الصف غايته الأولى ومتعته المميزة، وقد كانت له مشاركة في السبعينات بتأليف كتاب التاريخ للصف الثامن الإعدادي، ولطالما أحب مناداته بالمعلم بدلاً من لقب أستاذ؛ لأنها تحمل معاني عميقة. وقد اعتاد أن يروي التاريخ لطلابه وكأنه حكاية ممتعة شيقة، يحثهم فيها على الفهم وطرح الأسئلة وخلق نقاشات مهمة فيما بينهم، لإيمانه بأهمية الحوار في الوصول إلى أي حقيقة، وكل هذه التساؤلات تأتي وفق منهج علمي، وتهدف إلى الخروج من عادات ومفاهيم متخلفة وبالية.

من أحد التكريمات

وكان لكل طالب روايته وتجربته معه، فقد امتلك القدرة على التأثير الإيجابي في الجميع من خلال ابتسامته ووجهه المريح، و"الكاريزما" الخاصة به، التي جذبت كل من قابله».

وعن تعلق والده بالتدريس، يروي لنا قصة حدثت معه، فيقول: «بعد خمس وأربعين سنة في التدريس، رأيت والدي يحضّر درسه، وعند سؤالي، أجابني ببساطة إنها في نظره عملية ضرورية لا يمكنه الانقطاع عنها حتى ولو أنه يحفظ كل تفصيل في الكتاب. وفي عام 1993 سمع أن ثانوية "حمام واصل" بحاجة إلى مدرّس تاريخ، فسارع لتولي المهمة بقناعة منه أن طلاب الشهادة يجب ألا يبقوا بلا مدرّس، وكان عمره حينئذٍ اثنين وستين عاماً، وكان يضطر أحياناً إلى قطع سبعة كيلو مترات مشياً على الأقدام».

محمد عزوز

ويضيف: «تركت وفاة أخيه وتوأم روحه الدكتور "يوسف" المشهود له بإخلاصه وإنسانيته أثراً كبيراً في نفسه، وحزناً استمر لسنوات، فلطالما كان والدي شديد الحرص على علاقته بعائلته وإخوته، واجتماعاتهم المستمرة في بيته، ولا أذكر يوماً أن أحداً في البيت أو خارجه رآه غاضباً أو فاقداً للسيطرة على أعصابه، فلكل مشكلة حلها بالهدوء والتروي والحوار والحكمة التي يشهد له بها الجميع، فترك أثراً طيباً، وحصد مكانة رفيعة ليس في "القدموس" وحدها، بل على مستوى المنطقة بأكملها بعطائه اللا محدود من دون انتظار المقابل».

الأديب والكاتب "محمد عزوز"، وهو أحد طلابه، فقال: «رحل أستاذي في الثانوية التي تعلّمت فيها من الصف الأول الإعدادي حتى حصولي على الشهادة الثانوية، وعلّمت فيها مادة اللغة الفرنسية بفضله، وكنت في سنتي الجامعية الأولى، ولا أنسى حين قال لمدير التربية في محافظة "طرطوس": (صحيح أنه مازال في السنة الأولى، لكنني أضمنه، فأنا أعرف من الذي سيدخل إلى الصف). وبالفعل اختبروني وتأكدوا من صحة شهادته، وفي السنة التالية بعد أن أرسلوا مكلفاً جديداً، قال: لست بحاجة إلى مكلف، فالمدرّس موجود، وهو كفء. هذا هو "إسماعيل أبو عبد الله"، الذي تطول أفضاله جيلنا وأجيال سبقتنا، وأخرى لحقت بنا».