لم تكن بدايات الزجال "جان يعقوب" زجلية عبثية، وإنما كانت موزونة ومقفاة من أول قصيدة كتبها، وهذا لأنه امتلك مخزوناً فكرياً وسرعة بديهة انعكست على صوره البيانية وزناً وموسيقا.

أول قصيدة زجلية كتبها الزجال "جان يعقوب" كانت عام 1980، وكان عمره حينئذٍ ثلاثة عشر عاماً، ونجاحها وفق مقاييس الوزن والقافية أسس لاستمرارية مستقبلية، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 تشرين الأول 2017: «المتابعة والقراءة والاستماع إلى مختلف أجناس الشعر أغنت فكري وذائقتي السمعية؛ وهو ما ساهم في تطوير إمكانياتي التقديمية والعطائية، وجعلني أركز على البحور الشعرية، فالزجل يعدّ من أصعب أنواع الشعر، لأنه لا يحتمل التجاوزات الشعرية كالشعر التقليدي، حرصاً على عدم الوقوع في الأخطاء الوزنية.

يقدم زجلاً وشعراً رائعاً، قصائده باللغة المحكية المعبرة الثقيلة ذات معانٍ جميلة قريبة من القلب وخفيفة على السمع وتلامس المشاعر، ولديه قصائد تحمل النفحة الوطنية

على الزجال أن يتمتع بثقافة عالية، ويكون مطلعاً من خلالها على مجريات وأحداث سياسية واجتماعية وأدبية وفكرية منوعة ضمن مختلف التصنيفات والمجالات السطحية والعميقة، ليتمكن من تقديم زجل حقيقي منافس للذائقة السمعية وجاذب لها، وهذه الثقافة توظف في مجالين: الأول للنخبة من الزجالين والمهتمين بالزجل، والثاني لـ"السميعة" من الناس، ولكل من هذين المجالين ألفاظه وأفكاره الخاصة التي يجب أن يدركها الزجال ويقدمها، وهذا ينطلق أيضاً من طبيعة استخدام اللغة الفصيحة أو العامية.

من "قراداته"

وهذا ينطبق على الموسيقا؛ فعندما أختار البحر الشعري أكون قد اخترت موسيقاه الخاصة مسبقاً معه، وعليّ إدراكها ومحاولة تقديمها بأصولها، كالحداء والشروق التي رافقت الناس على مدى عصور، فهي مهمة للمتعة العامة من الزجل، وهي تختلف عن "قراديات الهوارة" مثلاً.

ففي الزجل غنائية تحتاج إلى مقومات خاصة من الزجال، فإن تمكن منها أطرب متلقيه، وإلا فهو يبعدهم عن هذا الشعر الحساس تجاه الجمهور، لأن الزجل يعكس الحالة التي أكون فيها بلحظتها، فالألم يظهر والفرح كذلك والحب والاستغراب، فهو مرآة صادقة».

من زجلياته

المشاركات في الحفلات الزجلية -على الرغم من بساطتها- ساهمت بتقوية طرائق التقديم والإلقاء، خاصة أنه حتى اللحظة لم يمتهن "جان" الزجل أو يحترفه، بل هو بالنسبة له هواية ومتنفس داخلي وفكري، وتابع: «تمكنت من تقديم قصائد زجلية دينية قريبة جداً من الناس والمستمدة من وحي الإنجيل، تتحدث عن الحكم والوعظ، وأغلبها بعدد أبيات كبير مؤلفة من صدر وعجز، كتبتها في أوقات خاصة ناتجة عن حالات معنية بالنسبة لي، فلا يوجد وقت مخصص للكتابة، وإنما هي حالة تأتي وأستغلها في لحظتها لتكون كلمات موزونة مقفاة معبرة».

وبالنسبة للبيئة ودورها في الحياة الزجلية، قال: «البيئة لعبت دورها بقوة في الزجل، وخاصة الطبيعة الجميلة التي عشت فيها وكروم البساتين التي ارتسمت في مخيلتي نتيجة رؤية بصرية غارقة في الحب لها؛ وهو ما كوّن أحاسيساً مرهفة دفعتني إلى الإبداع في هذا المجال، وأيضاً العائلة البيولوجية الاجتماعية كان لها دورها في نمو الذائقة الثقافية لدي، وكونت حالة من العطاء».

الزجال جان يعقوب

ومن بعض ما نظمه الزجال "جان يعقوب" اختارنا التالي:

"حلّك يا قلبي من عمق نومك تفيق... وتغلي المحبة بمرجل الصدر الغميق

من دون زرع الحب مشوارك دقيق... ومن دون همسة عشق بهمومك غريق

ولما الصـبية تشـوفها بمظهر أنيـق... بتفرج همومك لـو كنت واقــع بضـيق

ولما بتسـلك درب إخلاص ووفـا... بتمشـي معاك العمر عـا ذات الطـريــق"

وفي لقاء مع الدكتور "طارق حمزة" المهتم بالزجل، قال: «"جان" زجال رائع، امتلك صفات زجلية مميزة، منها: سرعة البديهة، والارتجال، وتقديم صور بيانية لافتة قد يعجز عنها الشعر العمودي، كما يتميز بروح الطرافة والنكتة في الكثير من رداته».

أما "ليال داود" المطلعة على زجل "جان"، فقالت: «يقدم زجلاً وشعراً رائعاً، قصائده باللغة المحكية المعبرة الثقيلة ذات معانٍ جميلة قريبة من القلب وخفيفة على السمع وتلامس المشاعر، ولديه قصائد تحمل النفحة الوطنية».

يذكر أن "جان قيصر يعقوب" من مواليد قرية "البساتين" عام 1967.