تعلّمت واندمجت في مجتمعها المدرسي بمساكن "مصفاة بانياس"، ولاقت التعاون من الجميع، فغدت الطالبة المتفوقة والمرجع لزملائها، ببصيرتها وسرعة حفظها وتقبلها لواقع فرض عليها.

فالوصول إلى مرحلة التفوق في الدراسة والمجتمع له مقومات أساسية، قالت عنها "فرح جديد" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 أيلول 2017: «عملية الاندماج بالمجتمع أعدّها تفوقاً كان أساسه مجتمعي المحيط بي الذي ساند تصميمي وإصراري على هذا الفعل، فالأسرة وفرت لي كل المقومات التي تؤهلني لذلك انطلاقاً من انفتاحي على الجميع دون استثناء؛ وهو ما خلق ألفة بيني وبين الأصحاء وكوّن نواة اعتمدتها في التحصيل العلمي، فمثلاً أختي كانت العين التي أرى بها على الدوام، وكذلك المدرّسين في المدرسة بعدما تأكدوا من امتلاكي لما يمكن تسميته تميزاً في ظل ظروفي وحالتي الصحية، فساندوني بالدروس المدعومة في الصف ومنازلهم من دون مقابل؛ وهذا أعدّه نجاحاً على الصعيد التعليمي مكّنني من التفوق في الشهادة الإعدادية».

حركتها في المنزل مميزة؛ فلا تقف أمامها أي حواجز ككرسي أو طاولة، وكذلك تتعامل مع هاتفها الشخصي بكل براعة بأسلوبها الخاص، فمثلاً وضعت لكل زر فيه نغمة خاصة يمكنها من الوصول إليه بسهولة

وتتابع: «في امتحانات الشهادة الإعدادية تفوقت على الرغم من فقداني للرؤية، وكان لأسرتي الاجتماعية وأسرتي التدريسية -كما قلت- دور كبير في هذا، إلى جانب إرادتي التي رسمت حلم المستقبل منذ الصغر، ووضعت الخط العريض لهذا الحلم وهو الدراسة التخصصية لعلوم التاريخ، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر.

فرح مع أختها التي كانت بمنزلة بصرها

في البداية كان التعاون عبر محاولة إيصال المعلومة العلمية والنظرية بأي طريقة، للوصول إلى الأسلوب الأمثل الذي يمكنني من تحقيق الفائدة، وهنا شعرت بجهد كل من حاول المساعدة، وصبر عليّ، حيث إن شرح الدرس بأكثر من أسلوب وطريقة، فتح أفق الفائدة المحققة لدى أفكاري، وكنت أطرح الكثير من الأسئلة وأتعمق بالأجوبة وأبسطها لتكون سهلة بمرورها عبر ذاكرتي».

إذاً، لشقيقتها دور أساسي في كل ما وصلت إليه وحققته على الصعيد الاجتماعي والتعليمي، نتيجة مرافقتها كتوأم، وهنا قالت "فرح": «كانت ذروة مساعدتها تكمن في تعليمي المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء، فتشرح لي سماعياً كيف يمكن حل المسألة وبتفصيل سهل وبسيط، وكذلك كيف يمكن توضيح رسم المخططات والرسوم الخاصة بها، باعتماد إحساس الحركة ومعرفة الأبعاد شعورياً وتخيلاً، ومن الطرفة هنا أنه خلال أحد الامتحانات لم تدرك المدرّسة طبيعة رسم مصور مطلوب، فأمسكت بيدها وطلبت منها الهدوء والتركيز للوصول إلى الرسم المطلوب، فذهلت مما قدمته من دقة وتفاصيل».

فرح مع أسرتها

وتتابع: «كانت أختي تقرأ لي درس اللغة وتترجمه لي في أول مرة فقط، ومن ثم تعاود قراءته لأترجمه لها، وتسألني عن كل مفردة لأدلها عليها ضمن النص وما معناها ومرادفاتها إن وجدت، وكذلك بالنسبة للرياضيات، حيث تصف لي طريقة توضعها بالصفحة وما القواعد التي يمكن اعتمادها في كل طلب فيها، لأقوم فيما بعد بوضع خطوط الحل لأي نموذج مقارب لها مع توضيح الرسوم البيانية لها».

"آصف جديد" والد "فرح"، قال: «منذ الصغر لاحظنا أن لديها ضعف في البصر، لكن الطب كان عاجزاً عن تقديم الحلول والمساعدة؛ وهذا دفعنا إلى قبول الواقع والتعامل معه وكأنه غير موجود؛ وهو ما كوّن لها حافزاً للاعتماد على الذات، وبصراحة أذهلنا ما قدمته من صبر وتعامل مع حالتها وتفوقها بقبول حالتها، ومحاولتها الاختلاط مع أقرانها في البيت والمجتمع، وكأن الله أخذ شيئاً ومنحها ما يعوضها عنه؛ وهو الذكاء وسرعة الحفظ والتصميم على تحقيق ما يعجز عنه بعض المبصرين، وهذا من ناحية المنزل، أما من ناحية المدرسة، فقد كان التعامل معها نموذجياً من قبل المدرسين، وبعضهم دعوها إلى منازلهم من دون أي مقابل لتقديم الدعم التعليمي ومنحها حقها منه؛ وهذا انعكس عليها وأدى إلى تفوقها بما امتلكته من مقومات تحدثت عنها، وهذا كوّن الحلقة الثانية بعلاقتها مع زملائها الذين رغبوا بصداقتها لتفوقها ومحاولة الاستفادة من هذا التفوق».

ويتابع: «حركتها في المنزل مميزة؛ فلا تقف أمامها أي حواجز ككرسي أو طاولة، وكذلك تتعامل مع هاتفها الشخصي بكل براعة بأسلوبها الخاص، فمثلاً وضعت لكل زر فيه نغمة خاصة يمكنها من الوصول إليه بسهولة».

وفي لقاء مع الأستاذ "باسم سعود" الذي قدم لـ"فرح" دروساً داعمة، قال: «يمكن القول إن ما امتلكته "فرح" من تصميم وإرادة دفعني إلى مساعدتها في البداية، لكن حين لمست لديها قدرة مميزة على الحفظ كثفت الدروس وبسطت طريقة طرحها لها سماعياً، حيث كانت تحفظ نحو سبعين بالمئة منه من المرة الأولى، واللافت في الأمر تقبلها لأي ملاحظة مهما كانت من دون الشعور بالنقص، وإن تفوقها في مختلف مجالات حياتها على الرغم من إعاقتها حافز بالنسبة لي، وبصمة خاصة ومميزة في مسيرة حياتي التعليمية».

أما المدرّسة "هند ضوا"، فأكدت أن ما قدمته للطالبة "فرح" لا يساوي شيئاً أمام تصميمها على التميز، حيث مثّلت حافزاً لأغلب زملائها لمجاراتها، وتابعت: «دروس الفيزياء أغلبها ليست دروساً حفظية، لكنها كانت بالنسبة لـ"فرح" حفظية وبسيطة، فاعتمدت مخيلتها -باعتقادي- لرسم مراحل حفظها من خلال الشرح فقط، وهذه حالة مميزة لا يمكن أن نجدها عند أحد».

يشار إلى أن "فرح آصف جديد" من مواليد مدينة "بانياس" عام 2001، وحصلت على مجموع 304 من أصل 310 في الشهادة الإعدادية.