نتيجة المعاناة المستمرة من نقص المياه، خاصة في الصيف؛ جاء مشروع الآبار كضرورة ملحّة لحلّ المشكلة في قرية "كرم التين"، وقد تميّز بنتائجه الإيجابية، التي بقيت إلى الآن منذ ثلاثة عقود.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 4 أيلول 2017، قرية "كرم التين"، والتقت المهندس "عدنان ميهوب البدوي" من أهالي القرية، ليحدثنا عن مشروع الآبار ومراحله منذ ظهور الفكرة حتى تنفيذها على أرض الواقع والنتائج، حيث قال: «بدأت الفكرة تظهر بعد أن زادت احتياجات القرية لوجود مصدر آخر للمياه يسدّ النقص الذي تعانيه القرية إلى جانب النبع الذي تقل مياهه صيفاً، وكان ذلك قبل ثلاثة وثلاثين عاماً مضت؛ أي منذ عام 1984، حيث قام الأهالي بتكوين لجنة تضمّ ممثلاً عن كل عائلة من العائلات، وأذكر منهم: الراحل "أحمد البدوي"، و"عزيز عيسى"، و"وجيه حمود ملحم"، و"وجيه سليمان ملحم"، وغيرهم. وقد تم الاتفاق في البداية على إحضار خبير للكشف عن مصادر المياه الجوفية في القرية، ولم يكن يستخدم وقتئذٍ إلا الطرق البسيطة التي يعتمد فيها على قضبان من شجرة الرمان، ومن خلالها يحدد موقع البئر، وبالفعل تم اكتشاف عدة نقاط ممتدة على طول الخط الرئيس للقرية، ولاحقاً تم حفرها بعد أن تم الاتفاق على جمع مبلغ من الأموال من الأهالي لإحضار حفارة خاصة بذلك، بعدها تم حفر أربع آبار بشكل موازٍ للجرف الصخري الذي تعرف به القرية، الواقع في الجزء الشمالي الشرقي، والممتد على طول الطريق الرئيس لها، حيث تبعد البئر الأولى عن الثانية مسافة لا تتجاوز العشرة أمتار، وهما أكثر الآبار المكتشفة غزارة، والمستثمران بوجه أساسي، أما البئر الثالثة، فلم تستثمر بسبب بعض المشكلات التقنية التي عرقلت عمليات الحفر بسبب الطبيعة الصخرية للمنطقة بوجه عام، والبئر الرابعة استخدمت مدة قصيرة قبل أن تشح مياهها».

الجميل في المشروع أن التقسيم كان ولايزال مستمراً بين جميع العائلات من دون أي مشكلات، وقد ساهم في زيادة مساحات الأراضي المروية وتنوعت المحاصيل المنتجة، مثل: الكوسا والخيار والبندورة والباذنجان والتبغ والأشجار المثمرة، ومشاريع البيوت البلاستيكية التي تكثر في القرية وغيرها، كل ذلك انعكس إيجاباً على مستوى الدخل لكل أسرة

ويتابع: «بعد حفر الآبار، تم شراء خزانات معدنية ووضعها فوق الآبار؛ حيث يتم ضخ المياه إليها من البئر مباشرة، ومدّ خط رئيس أربعة إنش لكل بئر ممتدة بشكل ملاصق للجرف الصخري على طول القرية، يتفرع منه خطان؛ أحدهما شرقي، والآخر غربي؛ فعند سقاية الأراضي الواقعة في الجهة الشرقية يتم وصل الخط الشرقي، والأمر ينطبق على الجزء الغربي، إضافة إلى وجود عقد فرعية لتوزيع المياه بمعدل عقدة كل خمسين متراً؛ وذلك لتسهيل ضخ المياه أثناء توزيعها حسب الدور المتفق عليه؛ وهذا شكّل شبكة من الخطوط البلاستيكية أوصلت المياه إلى كافة بيوت القرية وأراضيها. وقد تم التركيز على البئرين الأولى والثانية لغزارتهما وديمومة مياههما، وهنا تم حساب التكلفة الكلية للمشروع بوجه عام، وتأسيس شركة أهلية مساهمة، وقد تم توزيع التكلفة على أربعة وعشرين سهماً، يحسب للسهم الواحد ست ساعات من الماء، ولكل عائلة حصة من المياه حسب عدد الأسهم التي اشترتها، ومازال هذا التقسيم سارياً حتى الآن يتوارثه الأبناء من الآباء».

المهندس عدنان بدوي

إذاً، هو مشروع أهلي بامتياز مازالت نتائجه الإيجابية مستمرة حتى هذا الوقت، وعنه تقول "رانية عيسى" ابنة أحد المساهمين في تنفيذ الفكرة على أرض الواقع: «بين عامي 1984 و1985، سافر والدي "عزيز عيسى" ويرافقه عدد من رجال القرية إلى "دمشق" خلال مدة "معرض دمشق الدولي" لشراء مولدة لتشغيل المضخات التي وضعت على الآبار؛ وذلك بعد جمع مبلغ من قبل الأهالي، علماً أن هذا المشروع بدأ تنفيذه قبل توصيل الكهرباء إلى ريف "القدموس"، وبعد ربط القرية بالشبكة الكهربائية، تم أيضاً وبطريقة تعاونية جمع مبلغ من المال وشراء عداد كهرباء صناعي لتشغيل المضخات، ويشترك الأهالي منذ ذلك الحين حتى الآن في تسديد الفواتير حسب الأسهم التي تشترك بها كل عائلة».

وعن النتائج الإيجابية للمشروع، قالت: «الجميل في المشروع أن التقسيم كان ولايزال مستمراً بين جميع العائلات من دون أي مشكلات، وقد ساهم في زيادة مساحات الأراضي المروية وتنوعت المحاصيل المنتجة، مثل: الكوسا والخيار والبندورة والباذنجان والتبغ والأشجار المثمرة، ومشاريع البيوت البلاستيكية التي تكثر في القرية وغيرها، كل ذلك انعكس إيجاباً على مستوى الدخل لكل أسرة».

شبكة أنابيب بلاستيكية

تعدّ منطقة "كرم التين" وجوارها منطقة غنية بالمياه الجوفية، وعن هذا قال المدرّس والمهتم بالبحوث الجغرافية "سامي حسن": «تتميز المنطقة بوجه عام بصخور كلسية متنوعة تكثر فيها الشقوق والمسامات؛ وهذا يسمح لمياه الأمطار بالتسرب عبرها من المناطق المرتفعة المحيطة بالقرية. والأمطار في منطقة "القدموس" قد تتجاوز في بعض الأحيان 1000 ميليمتر، ويكون قسم منها على شكل تساقطات ثلجية، نتيجة هذه العوامل كثرت في المنطقة قنوات المياه الجوفية، وفي هذه القرية تحديداً هناك عامل جاء ليعزز غناها بالمياه الجوفية؛ وهو وقوعها على حافة حوض انهدامي صغير شكّل مكاناً لتجميع المياه؛ لذلك نجد أن الآبار التي حفرها الأهالي متوزعة وبشكل موازٍ للجرف الصخري الذي يشكّل مرآة لهذا الصدع، وأعطاها غزارة جيدة جداً حتى في فصل الصيف».

سقاية المحصولات