قرية زراعية امتدت من السفح الغربي لجبل "العجمي" حتى البحر، وظّف سكانها خصوصية التربة في الاكتفاء الذاتي، وكانت لهم خصوصية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتآلفة بعادة "الشوفة".

هي قرية "البيضا" التي زارتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 تموز 2017، والتقت المدرّس "عبد الغني الشغري" مدير المدرسة الابتدائية فيها، ليحدثنا عن خصوصيتها، فقال: «يحدّ القرية التي تبعد عن مركز مدينة "بانياس" نحو اثني عشر كيلو متراً من الجهة الشمالية الغربية قرية "المراح"، ومن الجهة الغربية قرية "القرير" التي يقطنها أساساً أسر من أهالي قرية "البيضا"، أما من الجهة الجنوبية، فتحدها قرية "المورد"، ومن الجهة الشرقية قرية "الكوكب"، ومن الجهة الشمالية قرية "البساتين" التي نتبع لها إدارياً كتنظيم بلدي، ومع كل هذه التفاصيل لم نسمع حديثاً عن عمر الاستيطان البشري في القرية، لكن بالاعتماد على طبيعة المنازل التي كانت موجودة فيها سابقاً؛ وهي منازل طينية سكنت شخصياً فيها ردحاً من الزمن أوائل سنوات عمري، وقد شيدت بعدها المنازل الحجرية. ويمكن القول إن عمر القرية يفوق 200 عام، حيث توجد فيها عائلات متجذرة وكبيرة من ناحية التعداد السكاني، ومنها: "آل الشغري"، و"آل بياسي"، وبعدها "آل قدورة"، و"آل حسين"، و"آل اسماعيل"، و"آل محمود"».

في القرية جامعان؛ الأول في الساحة الرئيسة، والثاني في حارة "بيت محمود"، وفيها تنوع مذهبي جميل يعتمد المحبة والتآلف، فالمدارس واحدة، والأحزان والأفراح أيضاً، وكان يوجد في الجهة الغربية من القرية قلعة قديمة جداً تسمى "قلعة طربيلس"، لكنها تعرضت في مرحلة من المراحل إلى الانهيار والتخريب

وعن تراثيات القرية، قالت المعمّرة "صباح بياسي": «في السابق كان يوجد فيها مكسر زيتون قديم يعمل على ما يعرف بـ"العجول الحجرية" التي تديرها المواشي، وهذا دلالة على حالة تطور ومواكبة لكل جديد، إضافة إلى أن إنتاج الزيتون وفير كما بقية المحاصيل الزراعية، كالبندورة البعلية والقمح والشعير و"الجبس والبعجور" وعباد الشمس، فالمياه وفيرة جداً بالاعتماد على الآبار الارتوازية التي يوجد منها المئات نتيجة وفرة المياه الجوفية، إضافة إلى وجود نبعين شبه دائمي الجريان صالحين للشرب، هما: نبع "عين البستان" في الجهة الشرقية من القرية، ونبع "عين أبو علي" في الجهة الشمالية الشرقية، وكذلك يوجد حتى الآن فرن حطب قديم جداً، نصنع فيه الفطائر بمختلف أنواعها».

الأستاذ عبد الغني الشغري

المختار "أحمد عزيز بياسي" قال: «المنطقة السهلية ضمن حدود القرية تعرف بـ"الوطا"، وهي منطقة سهلية ذات تربة حمراء غنية بالمعادن وخصبة، ومستثمرة بالكامل ومزروعة، وأهمها البيوت المحمية، أما في القرية، فالتربة بيضاء، ويقال إن تسمية القرية جاءت نتيجة بياض تربتها، وهذه التربة مناسبة لزراعة الزيتون والرمان والعنب والتين والجوز، وجميعها خاصة لصناعة المؤن الشتوية، وأهمها مخلل ورق العنب، ودبس الرمان.

ومجمل مقومات الزراعة وخاصة منها البيوت المحمية وفرت أجواء مناسبة لتكون القرية ذات طابع اقتصادي بالاعتماد على وجود مشاغل فرز وتوضيب لمختلف المنتجات، وأغلبها يصدّر إلى الخارج».

قمة جبل العجمي

"هاني بياسي" من أهالي وسكان القرية، قال: «يهوى أهالي القرية (صلي الدبق) لصيد الطيور، وهي حرفة تراثية تبدأ بصناعة أعواد الدبق وتنتهي بالمتاجرة بها، وكذلك تنشط عملية المتاجرة بثمار الصبار الذي يعدّ من المواسم الرئيسة في القرية، وهو معروف على مستوى المدينة بلذته ونكهته نتيجة التربة البيضاء التي ينمو فيها بكثافة، ويعدّ هذا الموسم مصدر دخل للكثيرين من الشباب، حيث يقومون بشراء المنتج قبل قطافه بالكامل عبر عملية "الضمان" من المالك، ثم المتاجرة به في الأسواق المحلية والخارجية بعد توضيبه بطريقة جيدة، وهنا يجدر القول إننا كسكان القرية مكتفون ذاتياً من ناحية الغذاء، وأودّ الإشارة إلى أن بعض عمليات البيع والشراء فيما يخص المنتجات الغذائية تكون بداية بين أهالي القرية مع توفر مختلف السلع والمحال التخصصية بها، والمقاهي الخاصة بالسهرات الاجتماعية».

وبالعودة إلى المدرّس "عبد الغني"، قال: «في القرية جامعان؛ الأول في الساحة الرئيسة، والثاني في حارة "بيت محمود"، وفيها تنوع مذهبي جميل يعتمد المحبة والتآلف، فالمدارس واحدة، والأحزان والأفراح أيضاً، وكان يوجد في الجهة الغربية من القرية قلعة قديمة جداً تسمى "قلعة طربيلس"، لكنها تعرضت في مرحلة من المراحل إلى الانهيار والتخريب».

قرية البيضا ضمن الدائرة الصفراء وفق غوغل إيرث

ويتابع: «في القرية التي تتربع على السفح الغربي لـ"جبل العجمي" عادات تراثية قديمة جداً، منها: الزواج المبكر للفتيات، وعادة "الشوفة"؛ وهي خاصة بمساعدة الراغبين بالزواج، وتعتمد تأمين مستلزمات الشاب المقبل على الزواج، حيث يقدم كل فرد من أهالي القرية ما باستطاعته من مال، ويجهّز العريس المنزل بما ينقصه، وهذه العادة لا تقتصر على الفقراء فقط، وإنما على الميسورين أيضاً بهدف استمراريتها لنتائجها الإيجابية؛ وهو ما يعني أن العلاقات الاجتماعية مترابطة جداً، وتعتمد التعاون فيما بينهم».