نبعٌ حافظ أهالي قرية "الروضة" على قدسيته، وارتبط بكنيسة مهدمة تعود إلى القرن الرابع الميلادي، ولنقاء مياهه جرت بالأنابيب الفخارية لقصر الملك البحري، فأسس لحركة تجارية واستيطان بشري غارق في القدم.

عندما بدأت أعمال الحفر لمد خطوط نقل النفط في قرية "مرقية" عام 1953، اكتشفت أنابيب فخارية بجانب الأوتستراد الدولي الواصل بين "طرطوس و"اللاذقية"، وبمتابعتها تبين أنها قادمة من نبع "عين الدير"، لكن الوجهة كانت مستغربة، وهي صخرة كبيرة جداً في المياه البحرية، وهنا بدأت الأمور تتضح وتتشابك بعضها مع بعض لتكوّن القصة الكاملة للنبع الأثري في جبل "مرقية"، كما قال المدرّس "طوني أبو عيسى" من أهالي قرية "الروضة" التي تضم بحدودها الإدارية النبع، وتابع لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 حزيران 2017: «النبع قديم جداً في القرية، وكان يروي -بحسب الروايات والدلائل- قصر الملك المبني على صخرة ضخمة جداً في المياه البحرية، بجانب موقع كنيسة "مارقبيان"، والمسافة هنا تقدر بـ2000 متر عن النبع، الذي مايزال مستخدماً لري الحقول الزراعية حتى الآن، وبعض أهالي القرية أصحاب الحقول الزراعية بجانبه يستخدمون مياهه للشرب لنقاوتها ولذتها.

لدي قطعة أرض قريبة من النبع؛ سند التمليك خاصتها مكتوب عليه أنها تروى من مياه "عين الدير"، ولدينا فيها منزل مسكون، وأذكر في السابق أننا كنا ننقل المياه إلى المنازل في القرية الحديثة "الروضة" عبر الجرار الفخارية المحمولة على الأكتاف

وقد سمي النبع بهذا الاسم لوجود دير قديم جداً بجانبه يعود بحسب الروايات المتناقلة إلى القرن الرابع الميلادي، وقد رويت حوله الكثير من الحكايات الأسطورية، منها أنه زعم وجود ديك ودجاجة لونهما ذهبي كانا يظهران بجوار النبع في لحظات معينة، دلالة على الحظ الجيد».

مفيد بشارة

"غسان بشارة" من سكان القرية رافقنا إلى موقع النبع وأوضح جغرافيته قائلاً: «هنا في موقع النبع كان يجتمع الرعيان ومواشيهم للاستراحة والتزود بالمياه، وكذلك عابرو خط السفر والتنقل الواصل بين الساحل والداخل، فهو في الجهة الجنوبية الغربية من قرية "الروضة"، ويبعد عنها نحو 1.5 كيلومتر فقط، بإطلالة مباشرة على البحر».

ويتابع: «عمليات الزراعة المتنوعة مستمرة حتى الآن بجانب نبع "عين الدير" لوفرة المياه على مدار العام، وبحسب الروايات المتناقلة منذ القدم، يقال إن موقع "عين الدير" كان موقعاً رومانياً سكنه أصحاب الحرف اليدوية والزراعيون، بدليل اللقى التي وجدت في الموقع، وقد عملوا على صناعة وبناء الأنابيب الفخارية الواصلة إلى قصر ملكهم في البحر».

بقايا الدير القديم بجانب النبع

الموظف المتقاعد "جرجس كراز" (82 عاماً) من أهالي وسكان القرية قال: «لدي قطعة أرض قريبة من النبع؛ سند التمليك خاصتها مكتوب عليه أنها تروى من مياه "عين الدير"، ولدينا فيها منزل مسكون، وأذكر في السابق أننا كنا ننقل المياه إلى المنازل في القرية الحديثة "الروضة" عبر الجرار الفخارية المحمولة على الأكتاف».

ويضيف: «مجرى مياه النبع يسير عبر سرداب حجري مبني يدوياً، وفي جزء منه صخري منحوت ضمن الصخور، طوله نحو عشرين متراً من النبع الأساسي، ويصب سقوطاً عبر ما يسمى شعبياً "شرشار" ضمن جرن حجري خصص لسقاية المواشي، وبذلك يضمنون سلامة مياه النبع الأساسي».

نبع عين الدير

"مفيد بشارة" من أهالي وسكان القرية، قال: «يوجد بجانب النبع عدة مواقع أثرية غارقة في القدم، منها ما يسمى "حارة السوق" دلالة على سوق تجاري قديم جداً، وهذا السوق دلالة على السكن المستقر في المنطقة، إضافة إلى كنيسة مبنية من الحجر الغشيم مهدمة بقي منها المذبح، وهو على شكل قنطرة معقودة في نهايتها بحجر القفل، وكذلك توجد مقاعد منحوتة بالصخر ومدمرة في أغلب أجزائها، وجميع هذه المقومات الحياتية ناتجة عن وجود مياه النبع التي تسببت بالاستقرار، ناهيك عن قدسيته المرتبطة بالكنيسة نوعاً ما».

وبالعودة إلى "غسان بشارة" قال: «كان يوجد بجانب النبع شجرة "جميز" يناهز عمرها 3000 عام، وكانت محجاً واستراحة الناس العابرين والرعيان، فظلها وارف وكبير بمساحته، وأيضاً شجرة توت شامي ضخمة جداً، يقطف منها جميع أبناء القرية، فيصنعون المربى والحامض الذي يستخدم بدلاً من حامض الحصرم، ومذاقه جيد جداً».