قرض الشاعر "علي دغمه" الشعر بعامته، واختص بالزجل المحكي، وأرفقه بالموسيقا التي عشقها بشرقيتها، فقدم "همس الأحاسيس" ديوانه المطبوع.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "علي دغمه" بتاريخ 13 حزيران 2017، ليحدثنا عن رؤيته للشعر الذي اختصه لنفسه على الرغم من عمله الوظيفي البعيد كل البعد عن الأجواء الشعرية، وهنا قال: «كما هي الفراشات تحوم حول الأزهار تداعبها ويحدث ما لا يعرفه إلا القليل، هي الأفكار تأتي وحياً إلى ذهن الشاعر وتحدث ولادة بعد مخاض يقصر أو يطول، فتكون القصيدة كنتيجة اجتهاد النحل في جمع رحيق الأزهار، والشعر هو ابن الشاعرية، يُحصد من دون زراعة، وأيضاً موهبة من الخالق عز وجل، ولا يرتبط بعمل أو مهنة أو طبيعة».

لا شك أن يكون للزمن بصمات تطبع على خد القصيدة من خلال الأحداث المتتالية بين ساعة وأخرى، وبالنسبة للمكان، فإن الدلالة تختلف فتظهر البصمة الخاصة للشاعر

ويتابع في الحديث عن البدايات الأدبية وتلازمها مع الموسيقا في مرحلة معينة، قال: «منذ البدء والشعر ممتزجاً مع مفردات حياتي اليومية، والشعر والموسيقا صنوان لا يفترقان، من تغريد عصفور وماذا يقول، إلى حفيف أوراق الأشجار وما تنشد من ألحان، هكذا هو الشعر والموسيقا بالنسبة لي، حيث عشت حياتي مع الطبيعة الخلابة بين كروم الزيتون وبساتين الليمون وسنابل القمح، وهي محاصيل اشتهرت بها قريتنا "دير حباش"، ولكل نغمته الشجية، حيث يولد التفاعل بين الإنسان وهذه المكونات، ومن هنا وهناك أخذت أداعب الحرف لأصوغ الكلمة المثال، التي هي بدورها تصبح حكاية موسيقية تسحر من يتفاعل معها، فالفكرة ملكي كيفما أتت، أترجمها وأنقل طباعتها من كينونتي إلى ساحة الشعور، ثم البوح بها».

دبوانه همس الأحاسيس

ويضيف: «الموسيقا هاجس الفنان والشاعر بوجه عام، والشاعر بطبيعته فنان تتراقص بداخله نغمات سحرية لا بد أن يرسمها بلوحات وفق إمكانية ريشته، وهنا أشير إلى أن جمال الكلمة واللحن شدني إلى اقتناء آلة العود لأمزج الكلمة مع اللحن وأطرب نفسي، وأعبر عن لواعج أثقلتني لتفيض في عالمي كأنما الغيث في يوم قيظ».

وأيضاً للواقع والتحليل تأثير بالزجل المحكي، أوضحه بقوله: «هي النار التي تثير سكينة ما يحوي القِدر، فلكل حدث في واقعنا أبواب تفتح لدى الشاعر، يخوض البحار ويبحث عن لؤلؤه، كما هي تزين جيد غانية يشع فكر من يتذوق سحر الكلمة من خلالها، وعلى ساحة شعوره يكون تحليل الحدث».

كما أن لكل شيء بصماته في القصيدة بالنسبة للشاعر "دغمه" حتى الزمان والمكان، وهنا قال: «لا شك أن يكون للزمن بصمات تطبع على خد القصيدة من خلال الأحداث المتتالية بين ساعة وأخرى، وبالنسبة للمكان، فإن الدلالة تختلف فتظهر البصمة الخاصة للشاعر».

ويرى "دغمه" أن غزارة الإنتاج الأدبي ليست مقياس نجاح أو فشل الشاعر أدبياً ووجودياً، وأوضح ذلك بالقول: «ليست الغزارة مقياس نجاح الشاعر أو فشله، فكثيرون هم الشعراء الذين انتشر شعرهم وأصبحوا أعلاماً في عالم الشعر، وليس لديهم عِشر ما لغيرهم ممن لم تُذكر أسماؤهم أدبياً، وعلى سبيل الذكر نورد ممن فاض شعرهم على قلته، أمثال: "أبو القاسم الشابي"، و"بدوي الجبل"، و"الشمقمق"».

وبالنسبة للمحفزات الخاصة لولادة الكلمات، هي من وجهة نظره الرصيد المكنون في مخيلته وذاكرته، والناتج عن المطالعة والاطلاع على الكثير من الأجناس الأدبية، ويتابع: «وهناك محفزات أخرى، منها المعاناة اليومية التي لا بد منها في هذا الزمن، ناهيك عن أن الشعر موهبة، لكن لا بد من صقلها، من خلال المعرفة بمفردات اللغة، ومعرفة أصناف الأدب المراد الخوض بها، وكثيرون يحفظون مجلدات كثيرة، ولا يمكنهم كتابة بيت واحد من الشعر؛ لأن الشعر موهبة، وليس صناعة».

وفيما يلي بعض أبيات من شعره:

"حافي القدم عم بدعس الجمره

وتلّمتْ سيف الغدر بإيديي.. وعَ سطح البحر ربّعت فرس ضمره

جداديلها ع الجيد مرخيه حلوه

مرباها بأرض سمره

حجار الأرض أقمار مضويه

و ع كتافها الشمس نعنوشة الغمره

وعلى شفافها القبلات سوريه

والعين يلّي من الخصم حمرا

كسرت المخرز.. ثملة الخمره

وكتبت ع سيف الحرب غنيِّه"

الشاعر "علي أسعد أسعد" تحدث عن انطباعه عما قرأ للشاعر "دغمه"، فقال: «تمتع بجمال روحه التي انعكست على منتجه الأدبي إيجاباً، فهو شخص اجتماعي ومتميز، وبالنسبة لمنتجه، فقد تميزت حروفه بالرقة والأناقة، وعرفنا هذا من خلال "ملتقى صافيتا الأدبي"».

أما الشاعر "لمك رياني"، فقال: «الشاعر "علي" قوي ومتمكن أدبياً بأسلوب قلّ نظيره في وقتنا الحالي، ويمكنني القول إنه موسوعة بالنسبة للشعر المحكي، وأتمنى عليه طباعة كتاب يبرز فيه أصالة لغتنا المحكية، وخاصة اللغة الجبلية النقية والصافية الأصيلة».

يشار إلى أن الشاعر "علي محمود دغمه" من مواليد عام 1955، قرية "دير حباش"، وصدرت له عام 1994 مجموعة شعرية بعنوان: "همس الأحاسيس".