يقع "معمل الحرير" في منطقة "مشتى الحلو" في محافظة "طرطوس"، ويعدّ من أهم المعامل التي كانت تصنع الحرير في الشرق الأوسط، وبعض معالمه ما زالت محافظة على ذاتها لتشهد على أيام تحولت إلى قصص وتراث.

زارت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 حزيران 2017، "معمل الحرير"، والتقت في قرية "مشتى الحلو" "ميليا عيد" في عقدها التاسع، التي كانت إحدى العاملات في المعمل لسنوات طويلة، وعنه قالت: «يقع في منطقة "المشتى التحتاني" في قرية "مشتى الحلو"، أُسّس عام 1860، يعدّ من المعامل المهمة جداً في الشرق الأوسط بين معامل الحرير القديمة التي تتوزع في مختلف القرى والجبال في "سورية" و"لبنان"، عملت في المعمل في زمن الاحتلال الفرنسي، وكان رئيس المعمل خواجة "ديلون"، كان له منزل داخله يعيش فيه مع عائلته، كان يسافر كثيراً للحصول على الشرانق ودودة القزّ التي منها يتم استخراج خيط الحرير، كان يذهب إلى معظم القرى، ويشتري من الحقول والفلاحين الذين يربون دودة القز، ثم يحضرها إلى المعمل لنبدأ الإنتاج، وكان هناك شخص اسمه "المعلم رشيد"؛ وهو لبناني والمسؤول المباشر عن العمل وسيره وإنتاج الحرير».

كان يوجد أيضاً في المعمل "دولاب الغزل"، وهذه نقطة كان يتميز فيها بأنه كان يملك ثمانين دولاب غزل، وهو رقم كبير بالنسبة لبقية المعامل، كانت هذه الدواليب موضوعة داخل المعمل في سوقين، والسوق عبارة عن مكان مثل الصالة، بناؤه قديم من الحجر، وكل سوق يحتوي أربعين دولاباً، فتسمع خلال ساعات العمل هذه الدواليب جميعها تدور على محور وتغزل خيوط الحرير، وكانت كلها معدنية، ويوجد ميزان يدوي لمعرفة وزن الشرانق التي تأتي من القرى والضيع المحيطة، إضافة إلى بعض الأدوات الأخرى التي تستخدم في الإنتاج

وعن العمال وأدوات المعمل، تتابع "عيد": «كل يوم عند الرابعة فجراً، كنا نسمع صوت جرس المعمل؛ وهذا يعني أن الدوام بدأ، فنذهب حاملين معنا فانوساً زجاجياً يعمل على الزيت لينير الطريق فجراً قبل شروق الشمس، وعند العودة كنا نحمل الفانوس معنا أيضاً؛ لأننا نعود بعد مغيب الشمس، أما الجرس الثاني، فكان للإفطار، والثالث لوجبة الغداء.

آثار من المعمل

كان عدد العمال فيه نحو 300 عامل، والعدد الأكبر منهم كان من الفتيات والنساء، وعدد قليل من الرجال، ونصف الفتيات كنّ من "مشتى الحلو"، والنصف الآخر من عدة قرى قريبة، مثل: "الكفرون"، و"بيت سعادة"، و"بيت سركيس"، وغيرها، كان في المعمل عدد وأدوات كاملة لإنتاج الحرير، منها: "المكبس" الذي يوضع بداخله الإنتاج الأخير من الحرير لحفظة بشكل مرتب، وأداة تدعى "الخلقين"؛ وهي عبارة عن وعاء يشبه الطنجرة، بداخله مجموعة ثقوب، يوضع ماء ساخن بداخلها يأتي من المرجل البخاري الذي كان اسمه بلغة القرية في تلك الأيام "بابور الحديد"، أما بالنسبة للمرجل، فهو عبارة عن موقد كبير من الحطب، يضخ المياه الساخنة بواسطة أنابيب ممدودة داخل المعمل لتصل إلى "الخلقين"، وكان للمرجل مدخنة كبيرة يخرج منها دخان النار».

وعن بقية الأدوات، تتابع: «كان يوجد أيضاً في المعمل "دولاب الغزل"، وهذه نقطة كان يتميز فيها بأنه كان يملك ثمانين دولاب غزل، وهو رقم كبير بالنسبة لبقية المعامل، كانت هذه الدواليب موضوعة داخل المعمل في سوقين، والسوق عبارة عن مكان مثل الصالة، بناؤه قديم من الحجر، وكل سوق يحتوي أربعين دولاباً، فتسمع خلال ساعات العمل هذه الدواليب جميعها تدور على محور وتغزل خيوط الحرير، وكانت كلها معدنية، ويوجد ميزان يدوي لمعرفة وزن الشرانق التي تأتي من القرى والضيع المحيطة، إضافة إلى بعض الأدوات الأخرى التي تستخدم في الإنتاج».

مشهد من الداخل

وعن تميز إنتاج المعمل، تتابع "عيد": «لخيط الحرير عدة ثخانات، منها 9/10، ومنها 13/14، وهكذا صعوداً حتى تصل إلى العشرينات، لكن ما يميز إنتاج "معمل الحرير" في "مشتى الحلو"، هو أنه كان قادراً على تصنيع أرفع خيط حرير بثخانة 7/8؛ وذلك بسبب مهارة العاملين فيه، فهذه الثخانة كانت أفضل مقياس لصناعة الحرير. وكان المعمل قادراً على إنتاج ما بين 60 حتى 70 كيلو غراماً من الحرير في اليوم الواحد وفي "الواردية" الواحدة؛ أي 8 ساعات عمل فقط؛ وهذا يعني أن قدرة المعمل الإنتاجية كانت عالية من حيث الكمية والجودة، وكان إنتاجه من الحرير يذهب إلى الأسواق، وأغلبه لصناعة المظلات وأشرعة السفن؛ لأن الثياب كانت تكلفتها عالية إذا صنعت من الحرير. توقف المعمل عن الإنتاج بعد جلاء الفرنسيين من "سورية"، وبعدها تم بيعه إلى عدة جهات وأشخاص، إلى أن أصبح اليوم عبارة عن تراث وبقايا تتحدث عن سنوات طويلة لأشخاص وحرفيين كانوا يتمتعون بمهارات كبيرة من إنتاج وصناعة الحرير الطبيعي في هذه المنطقة».

المحامي "وائل الصباغ" مدير الملتقى الثقافي في "مشتى الحلو"، يتحدث لمدونة وطن عن "معمل الحرير" قائلاً: «تاريخ قديم وبقايا رائعة تشهد وتتحدث عن أهالينا وقصصهم اليومية في "معمل الحرير"، فمعظم أبناء المنطقة كانوا يعملون فيه، وهم يتذكرون الكثير من التفاصيل عنه، المعمل أحد المعالم التراثية والتاريخية في منطقتنا، ونفتخر به، نحن في الملتقى الثقافي افتتحنا معرضاً عن "معمل الحرير"، ووضعنا فيه ما تبقى من الأدوات الإنتاجية التي كانت تُستخدم لصناعة الحرير الطبيعي، مثل: المغزل، والمكبس، وغيرهما من الأدوات اليدوية المساعدة، وحضر الافتتاح أشخاص ممن عاصروا المعمل وعملوا فيه، لأننا ندرك أهمية هذا الأمر، ونحافظ عليه للأجيال القادمة».

من داخل المعمل