مجموعة صغيرة من العائلات تربطها صلة قرابة، تنقلت بين السهل والجبل حتى أسّست قرية "الروضة"، واعتمدت زراعة الفستق وصناعة "الشنكليش" وتميّزت بها، وأسّست للتعليم على حسابها الخاص.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "الروضة" بتاريخ 12 أيار 2017، والتقت المدرّس "طوني أبو عيسى" من أهالي القرية ليحدثنا عن تاريخها وأصولها، فقال: «هي عبارة عن مجموعة من العائلات الصغيرة ارتبط بعضها مع بعض بصلة قرابة ناتجة من زواج الأقارب؛ وهذا أدى إلى علاقات اجتماعية متميزة كلّلها التعاون والتعاضد في جميع الأعمال، منها: عمليات بناء المنازل، وإقامة الأعراس، وتربية المواشي، والزراعة.

في القرية سوق قديم جداً يعدّ من أول أسواق المنطقة، ومنهم من يسميه "الساحة" أو "السهلة"، وهو ملتقى جميع أبناء القرية للتسوق والتسلية المسائية، وقد جمع مختلف الحرف اليدوية، منها الحدادة والحذاء

ومع تطور مجريات الحياة حكمت هذه العلاقات القليل من الخصوصية الأسرية، وخاصة في مجال الأعراس والمشاركة بها، لكنها بقيت عميقة عمق جذورها».

المدرّس طوني أبو عيسى

أما في مجال التراثيات لكون القرية غارقة في القدم، فقال: «من التراثيات القديمة في القرية صناعة "الشنكليش" بأجود الطرائق، حتى بات يُعرف منتجنا على مستوى القرى المحيطة، وحمله المغتربون معهم إلى دول الاغتراب؛ وهذا ساهم بدخول القرية ضمن موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بصناعة أكبر قرص "شنكليش" بوزن 200 كيلو غرام. وبحكم موقعنا المميز الممتد من الجبل إلى الشاطئ بمسافة 1.5 كيلو متر، وارتفاع 187 متراً فقط، كانت الحركة السياحية نشطة، ونشأت الجمعيات الاصطيافية السكنية بمعايير منافسة».

الموظف المتقاعد "جرجس كراز" من أهالي القرية، قال عن سبب التسمية: «ظهر هذا الاسم منذ عام 1970، ليتلاءم مع العصر، حيث كان اسمها القديم "بزاق" وهو اسم سرياني يعني "دنّ الخمر"؛ أي وعاء الخمر، وهذا بالاعتماد على أن الأهالي القدامى كانوا يزرعون الكرمة ويصنعون الخمر كحرفة تراثية لهم، وفي ترجمة أخرى للاسم يقال إنه "بل زاق" ويعني الإله "بل"، وهنا يمكن القول إن القرية مطلة مباشرة على البحر إلى مرفأ فينيقي قديم وكنيسة "مرقبيان" الأثرية، فهي تعد قرية بحرية نتيجة استمرارها من الجبل إلى الشاطئ البحري مباشرة، ولدينا أناس يعملون بحرفة الصيد ويعتاشون منها».

كنيسة جاورجيوس

وفيما يخص الحدود الجغرافية، قال "غسان بشارة" العامل بالأعمال الحرة، ومن أبناء القرية: «يحدّها من الجنوب نهر "مرقية"، ومن الشمال قرية "الجنينة"، ومن الجهة الشرقية قرية "ضهر صفرا"، ومن الجنوب الشرقي قريتا "صايا"، و"بديرة". ومن أبرز المعالم الأثرية والتراثية فيها كنيسة القديس "جاورجيوس"».

أما عن الحالة الاجتماعية والعائلات التي تسكنها، قال "عصام عويجان" من سكانها: «تم تأسيس لجنة اجتماعية في القرية أسميناها "تعاضد" لمساندة الأهالي في مختلف أعمالهم الاجتماعية والإنسانية، ومنها انطلق الاحتفال بعيدٍ اجتماعي ديني حتى أصبح تقليداً سنوياً على مستوى المنطقة.

قرية الروضة وفق غوغل إيرث

وأبرز العائلات: "آل بشارة"، و"آل سمعان"، و"آل السقى"، وكذلك "آل عويجان"، و"آل أبو عيسى". ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن التطور السكاني بطيء؛ نتيجة عدم إنجاب الكثيرين من الأبناء، واقتصار العدد على فرد أو اثنين فقط، ويعود السبب إلى تأمين الحياة المثالية للأبناء».

وبالعودة إلى حديث المدرّس "طوني أبو عيسى" أكد أن قدامى القرية كانوا من أولى الناس المتعلمين في المنطقة، فأسسوا مدرسة خاصة وطوروها من غرفتين إلى ست غرف، حتى أصبحت منارة لجميع أبناء المنطقة الراغبين بالتعلم، وتابع: «في القرية سوق قديم جداً يعدّ من أول أسواق المنطقة، ومنهم من يسميه "الساحة" أو "السهلة"، وهو ملتقى جميع أبناء القرية للتسوق والتسلية المسائية، وقد جمع مختلف الحرف اليدوية، منها الحدادة والحذاء».

وأضاف عن تاريخ القرية: «لا يمكن تحديد عمر زمني للقرية نتيجة عدة هجرات؛ أولها عام 1840، وثانيها 1914، والضغوط زمن الاحتلال العثماني، لكن من عمر الكنيسة العائد إلى عام 1860 يمكن الربط بين وجودها ووجود الاستيطان البشري الحديث، وهذا الاستيطان يعود إلى توافر المياه بغزارة من خلال اثني عشر نبعاً عذباً، منها: "عين الحلوة"، و"عين الصغيرة"، و"عين القلد"، و"زينة"، و"طيبة"، و"عين الدالة"، و"عين الدير"، و"شابور"، و"عين داوود"؛ وهذا أدى إلى نشوء زراعة قوية بالاعتماد على الفستق لخصوبة التربة، والكرمة سابقاً، وتطورت هذه الزراعة إلى زراعة البندورة القصبية ثم البيوت المحمية، وجميعها كانت مروية عبر قنوات ريّ من الينابيع المتوفرة في مختلف أنحاء القرية. إضافة إلى أن الثروة السمكية الموجودة في منطقتنا البحرية من أجود وأفضل الأنواع على مستوى الدول المجاورة والمستوى المحلي؛ نتيجة نظافة المياه والبيئة الشاطئية، وتداخل مياه نهر "مرقية" مع المياه البحرية؛ وهو ما خلق تغذية خاصة وبيئة نشطة لعملية التكاثر السمكي».