على ارتفاع 900 متر عن سطح البحر، اجتمع عدد من الأقارب ليكوّنوا في هذه الجغرافية الصغيرة مجتمعهم القروي، محققين نموذجاً متجانساً في طبيعة العلاقات فيما بينهم، ونهضتهم الفكرية المبكرة.

قرية "العليقة" ليست القرية التي عرفت واشتهرت بقلعتها فقط، وإنما كان لطبيعتها المجتمعية والثقافية حالة من التميز، تحدث عنها المدرّس "علي عبد الحليم حسن"؛ أول من حصل على الشهادة الثانوية فيها، فقال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 نيسان 2017: «"العليقة" قرية ريفية بامتياز لطبيعة تكوينها وجغرافيتها وعلاقة سكانها بعضهم مع بعض؛ فما زالوا يحافظون على بساطة العلاقات وصدقها وودّها. كما أنها تعدّ يداً واحدة في مختلف الظروف والمناسبات؛ لأنها في تأسيسها تكونت من أقارب كانوا يسكنون في جغرافيات متعددة ومتباعدة، حتى قرروا تأسيس قريتهم الخاصة، التي انضمت إليها عدة مزارع بعد مرحلة التأسيس.

يزرع في القرية أيضاً الخوخ والتفاح والتين والدراق والجوز، وهي مواسم جيدة بالنسبة لنا، وكذلك البندق والرمان بنسب تحقق اكتفاء ذاتياً

هي قرية زراعية منذ القدم، وتعتمد على زراعة الحبوب بمختلف أنواعها، ومع تطور الزراعات أدخلت زراعة التفاح والكرز لملاءمة مناخها مع طبيعة هذه الزراعة».

المدرّس علي عبد الحليم حسن

ويتابع: «توجد فيها قلعة "العليقة"، وهي رومانية جددت في العصر الصليبي؛ بدلالة نقش موجود على صخرة ضخمة، كتب عليه: "جددها الأمير سنقر"، ومساحتها نحو ثمانية عشر دونماً، وفيها مساحات تزرع بأشجار الجوز، وفيها مجموعة من الآبار، منها بئر فيها نبع دائم الجريان تسيل مياهه إلى منطقة الحمامات، وهي تستخدم حالياً لري المزروعات فيها.

القرية تبعد عن مركز المحافظة نحو خمسة وستين كيلو متراً، وعدد سكانها نحو 500 نسمة، وانضم إليها كتنظيم إداري عدد من المزارع المحيطة بها، مثل: "بيت المن"، و"فاسان"، وأصبح عدد السكان نحو 1000 نسمة، وهي في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة "بانياس" التي تتبع لها إدارياً، وتعدّ من الريف الأبعد عن مركز المدينة، وتبعد عنها نحو خمسة وعشرين كيلو متراً، وهي على الجهة الشرقية من وادي سحيق عرف باسم "وادي جهنم"؛ وهو ضمن منطقة عبور مهمة ما بين الساحل والداخل».

من الأجواء الاجتماعية في القرية

ويضيف: «قياساً بالزمن فالقرية حديثة، حيث تم شراء مواقعها من قبل مجموعة أقارب من عدة قرى، وعرفوا بثقافتهم الواسعة منذ القدم، فمنهم من كان شيخ كتّاب، ومنهم من كان شيخاً فاضلاً، ومنهم من ثقف نفسه بنفسه بالمطالعة والقراءة المعمقة، وعند دخول المدارس إلى القرية كانوا السباقين بإرسال أبنائهم إليها، ولو قيست نسبة التعليم وفق عدد السكان، لكانت هي القرية الأولى في المحافظة تعليمياً».

وعن الحالة الاجتماعية والثقافية، يقول المدرّس "علي حسون": «الطقوس شعبية كما بقية الطقوس في مختلف القرى، أضف إليها بعض الصناعات التراثية الناتجة عن وفرة زراعة الكرز والعنب، حيث صنعت "العنبرية"؛ وهي شراب لذيذ الطعم عبارة عن مزيج بين الصنفين بطرائق وأساليب معينة».

قرية العليقة ضمن الدائرة الحمراء وفق غوغل إيرث

ويتابع: «يزرع في القرية أيضاً الخوخ والتفاح والتين والدراق والجوز، وهي مواسم جيدة بالنسبة لنا، وكذلك البندق والرمان بنسب تحقق اكتفاء ذاتياً».

ربّة المنزل "حفيظة عمران" من سكان القرية، قالت: «ارتبطت صناعاتنا التراثية بمنتجاتنا الزراعية، وكانت حالة من التوظيف لكل شيء بجدّ واجتهاد أبناء القرية، ومنها: "هبول التين"، و"التين المسطوح"؛ وهي مؤن شتوية فيها الكثير من الفائدة والطاقة والدفء لأيام الشتاء القاسية لدينا.

وأيضاً صناعة أطباق القش من (قصل) أعواد سنابل القمح، وهي توظيف لجميع مكونات سنبلة القمح. وفي القدم كنا نعمل بنسج صوف الأغنام لصناعة ألبسة صوفية، وكذلك صناعة (الكنويشة) الخاصة بتزيين أسرة غرف النوم، وصناعة "الكنفة على الطارة"».

المعمرة "حسنة محمد" أكدت أن القرية من أولى القرى التي أوجدت فيها مدرسة، وأسسها الراحل الشيخ "علي حسن ناصر" ضمن منزله، وتكفل بتكاليف كثيرة نتيجة ذلك؛ وهو ما أدى إلى تحرر كامل من الأمية في وقت مبكر، وقد تميز أبناء القرية بثقافتهم على مساحة الجغرافية السورية؛ فمنهم من أسس للنهضة التعليمية في محافظات "سورية"، ومنهم من انطلق بعد تحصيله العلمي للعمل خارج المحافظة».