طبيعة البيئة الاجتماعية للمدرّسة "وعد خدام"، والزواج المبكر لم يثنياها عن الدراسة الأكاديمية، فبلورت إمكانياتها في "مجلس الشعب"، وساهمت بتأسيس المكتبة للمرحلة الابتدائية، وأدخلت إلى مدينتها "بانياس" اختصاص الفنون النسوية في المرحلة الثانوية.

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع عضو "مجلس الشعب" سابقاً المدرّسة "وعد محمد نور الدين خدام"، بتاريخ 31 آذار 2017، قالت عن نشأتها: «المراحل التعليمية الأولى كانت في "مدرسة الراهبات" التي كانت المدرسة الوحيدة في مدينة "بانياس"، وكان عددنا ثلاث عشرة طالبة فقط، وأذكر أنني كنت من الأوائل على مستوى المحافظة في الثانوية، وكانت متابعة التحصيل العلمي الأكاديمي ضرباً من المستحيل، وذلك نتيجة ظروف بيئية واجتماعية، فتزوجت وأنجبت طفلين، ولم يفارقني حلم متابعة التحصيل العلمي الأكاديمي، إلى حين وافق زوجي على الفكرة، فسجلت في جامعة "دمشق"، قسم الجغرافية، وبعد التخرج قررت العمل بالتدريس، وبدأت العمل وفق نظام الساعات، وكنت حينئذٍ المدرّسة الوحيدة من المدينة، والتزمت بالمرحلة الثانوية كاملة في ثانوية الشهيد "حسن طراف" القديمة، التي أخذت مكان مدرسة "الراهبات" بعد قرار تأميم المنشآت والقطاعات، حتى إنني بدأت إعطاء أربع ساعات مجانية في يوم الجمعة ضمن المدرسة ذاتها، للتحبيب والترغيب بمادة الجغرافية المؤلفة من كتابين ضخمين».

بحسب معلوماتي ناصرت المرأة، وكانت حافزاً للكثيرات من الشابات في المدينة لمتابعة تحصيلهن العلمي، والعمل باختصاصهن؛ وهو ما كوّن ركيزة أساسية في تغيير بنية المجتمع إيجاباً، فشخصيتها القوية كانت قدوة مشجعة على أن يسبق عمل وإنجاز الفرد اسمه وشخصيته

وتضيف: «بعد اكتمال البناء الجديد للمدرسة، أسّست فيه اختصاص "الفنون النسوية"، وكان هذا الاختصاص نتيجة حاجة المجتمع إليه، وتسلّمت إدارة المدرسة لسنوات، وبعدها تسلّمت شعبة نقابة المعلمين في المدينة، وكنت الأنثى الأولى التي تحصل على هذه المرتبة، وكان من أولى اهتماماتي في تلك المرحلة افتتاح الصيدلية النقابية.

المدرّس سامي جندي

وفي عام 1998، ترشّحت لعضوية "مجلس الشعب"، وكان هدفي متابعة العمل، وتنفيذ الخطوط العريضة التي رسمتها لحياتي المهنية والاجتماعية، وخاصة ما يتعلق بالشأن العام، وكنت حينئذٍ أول سيدة من المدينة تدخل المجلس».

وعن أبرز الخدمات المجتمعية التي سعت إليها وحقّقتها، قالت: «في إحدى الجلسات نوقش قرار إنشاء مجبل زفتي في المنطقة المنبسطة خلف "مصفاة بانياس"؛ وهذا يعني أن البيئة في خطر، فوقفت بوجه هذا القرار مدعومة بمئات التواقيع الشخصية من أبناء المدينة وريفها، حتى ألغي؛ وهو ما أدى إلى ارتياح شعبي في المنطقة، وخلق لدي سعادة كبيرة وعزيمة على تقديم المزيد من العطاء؛ وهذا الارتياح دفع أعضاء "جمعية الزهراء الخيرية" إلى طلب مساعدتي في إدخال سيارة دفن الموتى لتعمل كسيارة إسعاف في المدنية لمصلحة الجمعية، وهذا بعد أن أغلقت جميع الأبواب أمامهم، فكان لهم ما أرادوا، وأدخلت السيارة من "ألمانيا"».

المدرّسة وعد خدام، عضو مجلس شعب سابق

عنها يقول المدرّس "سامي جندي": «ترشّحها لمجلس الشعب، كان لخدمة المنطقة وأهلها، حيث تمكّنت من تحقيق الكثير من الأفعال التي تذكر بها، ويدها البيضاء ممدودة للخير قبل أن تكون في المجلس، وحين صارت في المجلس، كانت ممثلة حقيقية للشعب، ومن أهم ما قدمته في الشأن العام، متابعة إصدار قرار تثبيت المدرّسين والمعلمين الوكلاء، إضافة إلى توقيف قرار إلزام السيارات الخاصة العاملة بالخدمة العامة "تكسي" في المدينة باللون الأصفر، بعد أن قصدها عشرات السائقين الممتهنين لطبيعة هذا العمل، لإيقاف هذا القرار، بالاستناد إلى طبيعة المدينة الجغرافية الضيقة».

وأضاف: «بحسب معلوماتي ناصرت المرأة، وكانت حافزاً للكثيرات من الشابات في المدينة لمتابعة تحصيلهن العلمي، والعمل باختصاصهن؛ وهو ما كوّن ركيزة أساسية في تغيير بنية المجتمع إيجاباً، فشخصيتها القوية كانت قدوة مشجعة على أن يسبق عمل وإنجاز الفرد اسمه وشخصيته».

"خلود محمد الحكيم" فني صيدلة، عن مدرّستها السابقة قالت: «كان لها فضل كبير في افتتاح الصيدلية النقابية في مدينة "بانياس" عام 1996، وحينئذٍ تواصلت معي بصفتي فني صيدلة، لأكون قائمة على عمل الصيدلية؛ وهذا كان له انعكاس كبير وإيجابي على جميع المعلمين والمدرّسين في تخفيف معاناة ومواصلات التنقل للوصول إلى الصيدلية المركزية».

وفيما يخص المرحلة التدريسية، قالت "خلود": «كانت مثالاً يحتذى في الصدق؛ ففي أحد الامتحانات كانت علامتي الأعلى في الصف، وكنت أجلس بجوار طالبة معروفة بتفوقها، وكانت حينئذ المدرّسة "وعد" جديدة في تدريسنا، وفي الامتحان التالي أجلستني منفردة بجوار السبورة، لتتأكد من أن علامتي من جهدي الخاص، وعند صدور النتائج، قالت أمام جميع الطلاب، كنت أظنّ أنّ علامة "خلود" ليست بجهدها، لكن التجربة أكدت تميّزها واستحقاقها لاعتذاري أمامكم».

يشار إلى أنّ المدرّسة "وعد محمد نور الدين خدام" من مواليد مدينة "بانياس"، عام 1944.