"أنيس عيد"؛ ابن عائلة تعمل في الحدادة منذ بدايات القرن الماضي، ورث الحرفة من والده الذي ورثها من والده هو الآخر، وحافظ على مجموعة شبه كاملة من أدوات ومستلزمات المهنة التي كانت تعتمد بالدرجة الأولى الجهد البشري والقوة العضلية.

مدونة وطن "eSyria" زارت "عيد" بتاريخ 9 آذار 2017، في منزله بمدينة "مشتى الحلو"، ليحدثنا عن مهنة الحدادة في الزمن الماضي قائلاً: «تشتهر مدينة "مشتى الحلو" بأن فيها الكثيرين من الحدادين القدامى الماهرين، ومنهم والدي الذي كان يملك مجموعة كاملة من العدد ومستلزمات صناعة كافة الأدوات الزراعية اليدوية القديمة، وأدوات عمال البناء وغيرها. وآنذاك، كانت الحدادة تعتمد الجهد العضلي والقوة البشرية، فلا وجود للكهرباء أو التكنولوجيا.

مما لا شك أنه لايوجد أي رجل في "مشتى الحلو" لم يعمل بهذه الأدوات في ذلك الوقت، وكان الأصدقاء يزورون المحل للمساعدة، وبعض الفتيان يتراكضون بعد دوام المدرسة إلينا ليتناوبوا بالعمل على "الكير"، ويرون كيف تذيب النار الحديد. أما الآن، فالكثيرون من الأقارب والصدقاء يأتون ليروا هذه المعدات القديمة؛ لأنها تربطهم ارتباطاً وثيقاً بأيامهم القديمة، وذكريات طفولتهم، والجميع يوصونني بالاهتمام بهذه المعدات والحفاظ عليها

عمل والدي مع جدي في ذات المحل، ونقل الصنعة، وحافظ على كل المعدات القديمة، ومن بعده جاء دوري، فحافظت عليها، وحين كنت طالباً، كنت أعمل بيد، وأدرس باليد الأخرى».

الكير اليدوي

وعن أدوات الحدادة القديمة، يحدثنا "عيد": «توجد آلة تدعى "الكير"، وهي آلة قديمة مؤلفة من مضختين هوائيتين؛ كل واحدة مرتبطة بصندوق للنفخ لهما قبضتان يدويتان وفتحتا هواء، يقوم العامل بفتح جهة وإغلاق الأخرى يميناً ويساراً، فيمتلىء الصندوق بالهواء ويضخه باتجاه شيء يسمى "الكور"؛ وهو مكان اشتعال النار لصهر الحديد. آلة الكير ممتعة، لأن فيها تناغماً متناسقاً يحول العمل إلى لحن يظهر في البداية مع يد العامل الذي يجمع الهواء وينفخه، وبعده صوت النار المشتعلة، وأخيراً صهر الحديد. كذلك هناك أداة تسمى "اللقط"، وهي ملقط طويل في نهايته يوجد ميلان واضح ليسهل التقاط نهاية أطراف المعدات المراد صناعتها، ويوجد أيضاً "السندان" الخاص بطي الحديد ولويه لتشكيله بالأسلوب المطلوب، و"الملزمة" التي نثبت الأدوات الحديدية عليها ونقوم بإصلاحها، والعديد من الأدوات، كالمطرقة الحديدية الضخمة التي تصبح جزءاً من يد العامل، والمبرد، وغيرها.

حافظت على كل الأدوات المذكورة التي ورثتها من والدي، وهي موجودة عندي حتى اليوم».

السندان

وعن الأدوات والمنتجات التي يصنعها "عيد"، يقول: «قمنا بتصنيع أدوات كثيرة للمزارعين وعمال البناء، ومن هذه الأدوات مثلاً: "سكة الفلاحة" الخاصة بحراثة الأرض، التي تعد أهم وأعقد أداة، وأيضاً كنا نصنع "الفراعة"؛ وهي فأس خاص لتقطيع الخشب، و"القطاعة"؛ وهي أداة خاصة لمعلمي البناء، مصنوعة من الفولاذ، ولها رأس عريض وحاد، وكانت تستخدم لحفر الصخر. كذلك توجد قطعة تسمى "الشاقوف"؛ يصل وزنها إلى 2كغ، لها رأسان مربعان، وكل رأس له أربعة حدود حادة، كان عامل البناء ينظم من خلالها حروف أحجار البناء. أما "الترتبيك"، فهي أداة للنحت على الحجر قبل تركيبه، إضافة إلى مجموعة كبيرة من "المعاول" و"المناجل"، منها ما هو خاص بالحطب، وأخرى خاصة بالحصاد».

وعن اهتمام أهالي المنطقة وزوارها بهذه المعدات القديمة، يقول "عيد": «مما لا شك أنه لايوجد أي رجل في "مشتى الحلو" لم يعمل بهذه الأدوات في ذلك الوقت، وكان الأصدقاء يزورون المحل للمساعدة، وبعض الفتيان يتراكضون بعد دوام المدرسة إلينا ليتناوبوا بالعمل على "الكير"، ويرون كيف تذيب النار الحديد. أما الآن، فالكثيرون من الأقارب والصدقاء يأتون ليروا هذه المعدات القديمة؛ لأنها تربطهم ارتباطاً وثيقاً بأيامهم القديمة، وذكريات طفولتهم، والجميع يوصونني بالاهتمام بهذه المعدات والحفاظ عليها».

الملزمة

"عدنان ديوب" من أقرباء "عيد"، وواحد من الأشخاص الذين كان لهم تجربة في استخدام الأدوات المذكورة، يحدثنا قائلاً: «أدوات الحدادة التي مازالت إلى اليوم عند "أنيس عيد"، أصبحت تعبر عن زمن قديم وأساليب عمل صارت من الماضي، صارت رمزاً للماضي.

أذكر كيف كنت أذهب إلى ذات المحل لأساعد "عيد"، وخاصة على آلة "الكير"، وكنت قصير القامة، وزبائن المحل لا يرونني من خلفه، فيتعجبون لوهلة كيف تعمل الآلة وحدها، وقيمة هذه العدّة اليوم، هي بقيمة الزمن التي مر عليها، لتصبح رمز تلك السنين الماضية التي كانت تعتمد على القوة والصبر، وبراعة يد العامل في صناعته وحرفته».

يذكر أنّ "أنيس عيد" من مواليد "مشتى الحلو"، عام 1945.