تعدّ شجرة بلوط "العجمي" من أضخم أشجار البلوط في منطقة الساحل السوري، ونقطة علّام رئيسة في قرية "وادي السقي"؛ حيث يمكن رؤيتها من مسافة بعيدة تقدّر بعدة كيلو مترات.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "وادي السقي"، والتقت بتاريخ 13 شباط 2017، "فهد عباس سليمان" مختار القرية، حيث قال: «تقع شجرة بلوط "العجمي" في الجهة الجنوبية الغربية من قرية "وادي السقي"، على مسافة تقارب مئة وخمسين متراً عن بيوت القرية، وفي منتصف الطريق بين النبع الذي تبعد عنه مسافة مئة متر فقط، وبين النهر الذي تشتهر به قرية "وادي السقي". وهذه الشجرة من نوع البلوط المعمر المتساقط الأوراق شتاءً، التي قد يتراوح عمر الواحدة منها ما بين خمسمئة إلى ألفي عام؛ لكونها تنمو وتموت ببطء».

وجود الشجرة في منتصف الطريق بين نبع ونهر "وادي السقي" الذي يحوي العديد من المسابح الطبيعية، جعل منها محطة استراحة ليس فقط لأهالي القرية ومزارعيها، بل أيضاً للمصطافين الذين يقصدون النهر للسباحة، فيستمتعون بفيء أغصانها ويمارسون طقوس الشواء، ويتناولون بعض المشروبات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة

أما في ما يخص تسميتها "بلوطة العجمي"، فيقول "محي محمد سليمان" مدير مدرسة القرية المتقاعد: «سميت الشجرة بهذا الاسم نسبةً إلى وجودها ملاصقة لضريح الشيخ "محمد العجمي"، وهو ضريح قديم جداً يعود تاريخه إلى عام ثلاثمئة وثلاثين هجري، لكن تاريخ الشجرة يعود إلى ما قبل ذلك العام؛ وهذا مؤشر على قدمها وعراقتها وقدسيتها، ليس فقط لدى أهالي المنطقة، بل إن لأشجار البلوط بوجه عام قدسيتها لدى الكثير من الحضارات السورية القديمة».

البلوطة من مسافة بعيدة

وعن مواصفاتها وأبعادها، يكمل: «تتميز بلوطة "العجمي" بشكلها الذي يشبه شكل القبة، وضخامتها الهائلة، حيث يزيد ارتفاعها على العشرين متراً. أما محيط الجذع، فيبلغ نحو سبعة أمتار. ولجذورها في الأرض امتدادات واسعة وضخمة، وبالنسبة للأغصان فهي متفرعة وممتدة لتظلل مساحات كبيرة تبلغ ما يقارب ألفين وخمسمئة متر محيطة بالجذع. وفي الربيع الماضي تساقط أحد هذه الفروع الضخمة نتيجة تشبعه بالماء ووزنه الكبير جداً. وهذه الضخامة الهائلة التي تتصف بها البلوطة جعلتها مرئية من مسافات بعيدة تبلغ عدة كيلو مترات، كما أن موقعها في نقطة منخفضة محاطة بالجروف الصخرية الشديدة الارتفاع ومن عدة جهات، إضافة إلى شكلها القببي ومساحة الظل الواسعة التي تغطيها الأغصان والبالغة دونمين ونصف الدونم؛ كل ذلك جعلها تبدو وكأنها تجمع لعدد كبير من أشجار البلوط، لكن في الحقيقة هي ليست سوى شجرة واحدة لكن بمساحة غابة؛ لذلك تستحق أن يطلق عليها لقب "الشجرة الغابة"؛ فهي شجرة البلوط الأضخم في الساحل السوري، إن لم يكن في "سورية" كلها».

تحيط ببلوطة "العجمي" الأراضي الزراعية ذات التربة اللحقية المعروفة بأنها أخصب أنواع الترب، وهي قريبة جداً من الطبقة الخازنة للمياه الجوفية ومن نهر القرية؛ وهذا ما وفر لجذورها التغذية الجيدة، إضافة إلى العامل المناخي الذي تتميز به المنطقة، ناهيك عن حرص الأهالي ومحافظتهم عليها، فكانت عبر السنين المتتالية محطة استراحة للمزارعين أثناء تنقلاتهم بين أراضيهم الزراعية وبيوتهم في القرية؛ وهذا جعلها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بذاكرتهم وذكرياتهم منذ الماضي وحتى اليوم؛ وفي هذا يقول "محمد مالك الخطيب"، وهو موظف متقاعد من أهالي القرية: «منذ عدة سنوات ماضية كان يوجد داخل الشجرة على الأغصان العالية خلية نحل طبيعية، وقد اعتاد أطفال القرية الذهاب إلى الشجرة والوقوف تحت الخلية لتناول العسل المتساقط منها، وقد مثلت الشجرة أيضاً مكاناً لالتقاء الشبان الذين كانوا يجلسون في أعلى الجذع مكان تفرع الأغصان الضخمة، الذي يتسع لخمسة أو ستة أشخاص، فيتبادلون الأحاديث ويلعبون بعض الألعاب المعروفة مثل "الباصرة" وغيرها، هذا إضافة إلى اجتماع الأهالي تحت ظلال الأغصان المتشابكة والضخمة لإحياء العديد من المناسبات والأعياد المرتبطة بالذاكرة الشعبية، كالاحتفال بقدوم الربيع في شهر نيسان من كل عام».

محي محمد سلمان

ويضيف: «وجود الشجرة في منتصف الطريق بين نبع ونهر "وادي السقي" الذي يحوي العديد من المسابح الطبيعية، جعل منها محطة استراحة ليس فقط لأهالي القرية ومزارعيها، بل أيضاً للمصطافين الذين يقصدون النهر للسباحة، فيستمتعون بفيء أغصانها ويمارسون طقوس الشواء، ويتناولون بعض المشروبات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة».