لم يكتفِ الدكتور "صادق علي" بالتحصيل العلمي العالي ليفرّغ طاقاته المتقدة بالأفكار التي تحاكي المعادلات الطبية التخصصية، بل اتجه نحو البحث التخصصي لإيجاد معادلات تغيّر وجه اختصاصه القلبي.

كثيرة هي الأبحاث الطبية التخصصية والأفكار البحثية التي طبقها الدكتور "صادق علي" في مجال اختصاصه بالأمراض الداخلية القلبية، وكان لها نتائج إيجابية؛ كما قالت الممرضة والمريضة "إحسان إبراهيم"، حيث كانت تخضع لعلاج منذ مدة ليست بقصيرة من دون جدوى حتى قرّرت الاستعانة به، وهنا قالت: «عانيت بالدرجة الأولى نوبة ضعف ووهن عام مع دوخة ونقص في الشهية وحالة إمساك، إضافة إلى آلام صدرية، وبعد الفحص تبيّن للدكتور "صادق" أن ضغطي منخفض جداً، وصل إلى ثمانية سم زئبقي مع تباطؤ في النبض يصل إلى خمسين نبضة في الدقيقة؛ وهذا ما دفع الأطباء السابقين الذين شكوت أمري لهم إلى الشك بوجود اختلال في عمل الغدد وخاصة "الدرقية"، لكن بالتحاليل تبيّن للدكتور "صادق" عدم صحة هذا الشك، وبينت صورة العمود الرقبي "تقوماً" شديداً فيه؛ وهو ما دلّ على توتر شديد في الجملة العصبية مع سيادة الجملة نظيرة الودية، حيث عولجتُ على هذا الأساس».

إن أبحاث الدكتور "صادق علي" غير مسبوقة، ولها أهمية كبيرة في تحديد نوعية وكمية الأدوية اللازمة للمريض، باعتماد التشخيص الدقيق للحالة المرضية ضمن اختصاصه، كما أنه قدّم اقتراحات طبية جديدة لها أثر إيجابي في العلاج السريع

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع الدكتور "صادق علي" بتاريخ 4 شباط 2017، قال عن أبحاثه الطبية والنتائج الاستشفائية التي حققها: «كان موضوع الدكتوراة التي حصلت عليها من مركز أبحاث القلب في "الاتحاد السوفييتي" في "موسكو"، تشخيص ارتفاع الضغط الرئوي باستخدام حادثة دوبلر "Doppler Effect" في الأمواج فوق الصوتية، وكانت دراستي في هذا المجال من الدراسات المتقدمة بالنسبة إلى زمنها ومعطياتها.

الدكتور صادق خلال العمل الطبي

كانت لدي عدة مقترحات جديدة آنذاك، منها حساب الضغط الرئوي الانقباضي بإضافة عشرة ملم زئبقي لفرق الضغط الانقباضي بين الأذينة اليمنى والبطين الأيمن، عند الأشخاص المصابين بقصور "الدسام مثلث الشرف"، عندما يكون هذا الفرق محصوراً بين خمسين وخمسة وثمانين ملم زئبقياً، وإضافة خمسة عشر ملم زئبقياً عندما يكون هذا الفرق أعلى، أما عندما يكون هذا الفرق أقل من 50 ملم زئبقياً، فالضغط الرئوي الانقباضي عملياً يساوي قيمة هذا الفرق، إضافة إلى محاولة حساب الضغط الرئوي الانقباضي والانبساطي والمتوسط عبر علاقة هذه الضغوط بدليل تسارع التيار الرئوي الانقباضي، كما أكدت عدم صحة طريقة "بورستين" لقياس الضغط الرئوي الانقباضي، عبر علاقة هذا الضغط بزمن انبساط البطين الأيمن المتساوي الحجم وعدد ضربات القلب، وهي الطريقة المستخدمة منذ 1967، وربط ذلك بحالة العضلة القلبية إلى جانب الضغط الرئوي».

ويتابع: «كما اقترحت دراسة أطوار النشاط القلبي الأيمن عبر دراسة الجدار السفلي للفرع الأيمن للشريان الرئوي بـM-mode، وكان لي في هذه المواضيع ما يقارب ثمانية عشر عملاً علمياً مطبوعاً باللغة الروسية، كما قمت آنذاك بكتابة كتيب لتعليم تقييم عمل القلب بالإيكو دوبلر، وشاركت في تحضير فيلم عن "الإيكو والدوبلر" القلبيين باللغة الروسية».

الدكتور عصام ميهوب

وهنا نعود إلى الوراء لنتحدث عن بدايات الدكتور "صادق"، حيث قال: «لدي قناعة أن الحياة من الصعب فهمها، لكن عند التفكير بها يتضح أن كل شيء مرسوم بخطواته الدقيقة، فأنا مثلاً وخلال الدراسة في ابتدائية قريتي "حبسو" لم يكن تفكيري بالدراسة لتحصيل العلامات، إنما رغبة داخلية للتعلم فقط، ومع هذا وبالمصادفة كنت من المتفوقين، وحصلت على المركز الأول في الصف الثامن، ثم بدأت أتصدر المركز الأول على مستوى المدرسة حتى الثانوية.

وبعدها انتسبت إلى كلية الطب في جامعة "دمشق" عام 1972، ودرست فيها عاماً واحداً، ثم أرسلت في بعثة إلى "الاتحاد السوفييتي" لحساب الصحة المدرسية عام 1973، وتخرجت في معهد "روستوف عام 1980 بدرجة شرف "دبلوم أحمر"، وعدت إلى بلادي، وعملت في سلك الصحة المدرسية لمدة عامين لأرسل بعدها إلى "الاتحاد السوفييتي" لنيل شهادة الدكتوراة في أمراض القلب ضمن "مركز أبحاث القلب لعامة الاتحاد السوفييتي"، وعدت إلى العمل في الصحة المدرسية، ثم انتقلت عام 2000 إلى العمل بمستشفى "الباسل" في "طرطوس"، وعملت في نهاية 2006 رئيساً للشعبة القلبية فيه، وعند افتتاح قسم جراحة القلب في الهيئة انتقلت إليه وما زلت».

إذاً، العمل العلمي المتواصل واكتشاف العلاقة بين انبساط البطين الأيسر وبعض المؤشرات الرئوية الانقباضية كانت أهم الأبحاث التخصصية التي حملها الدكتور "صادق" على عاتقه حتى نجح فيها، وأضاف: «بعد انتقالي إلى مستشفى "الباسل" تابعت أعمالي البحثية، وقمت بدراسة العلاقة بين انبساط البطين الأيسر والدوران الرئوي، وتوصلت من خلال هذه الدراسة إلى إيجاد معادلة رياضية تعبر عن حقيقة هذه العلاقة، وهي العلاقة بين الحملين القبلي والبعدي وحالة العضلة القلبية، هذه الدراسة ليس لها مثيل في العالم، وقد عرضت على لجنة كوّنت خصوصاً لهذا الغرض بتوجيه من وزير الصحة عام 2006، حيث أقرت بجدة الموضوع وأهميته، لأن النتيجة كانت توصلي إلى اقتراحات كثيرة جديدة طبياً، منها اقتراح نظرية جديدة لتفسير العلاقة بين قطر البطين الأيسر ودليل الوظيفة الانبساطية ودليل تسارع التيار الرئوي الانقباضي و"قلوصية" البطين الأيسر، حيث فسرت بوضوح العلاقة بين الحملين القبلي والبعدي وخصائص العضلة القلبية، إضافة إلى تصنيف جديد لأنماط امتلاء البطين الأيسر، حيث تميز عن التصنيف المعمول به حتى الوقت الحاضر بارتفاع دقته وسهولة استخدامه لاعتماده ثلاثة متغيرات فقط وقيماً عددية، وليس على تعبير أكبر أو أصغر كما هو معمول به».

ويضيف: «كما اقترحت طرائق غير مسبوقة تميزت بالدقة لقياس ضغط البطين الأيسر في نهاية الانبساط، واقترحت استعمال مفهوم جديد هو تشخيص الحالة الدورانية، ونوع ومدى الإصابة في الجملة الدورانية بتحديد مدى توتر هذا الجزء أو ذاك من هذه الجملة، كما بينت أن العلاقة بين قطر البطين الأيسر والضغط داخله لا تجري كلها على نمط واحد، بل هي متعددة الأنماط، وقسمت الدوران إلى نمطين "I وII"، تختلف فيهما فيزيولوجيا الدوران كثيراً، وتتميز سريرياً بتظاهرات مختلفة، وبالاعتماد على ما سبق قسمت الإصابات القلبية إلى أربعة "تناذرات" أساسية، حيث يساعد مثل هذا التصنيف في تحديد نوعية العلاج المطلوب وكميته، وكانت النتيجة هنا تأليف كتاب طبي تخصصي عنونته بـ: "العلاقة بين الحملين القبلي والبعدي وخصائص العضلة القلبية"».

وفي لقاء مع الدكتور "عصام ميهوب" اختصاصي أمراض قلبية، قال: «إن أبحاث الدكتور "صادق علي" غير مسبوقة، ولها أهمية كبيرة في تحديد نوعية وكمية الأدوية اللازمة للمريض، باعتماد التشخيص الدقيق للحالة المرضية ضمن اختصاصه، كما أنه قدّم اقتراحات طبية جديدة لها أثر إيجابي في العلاج السريع».

يشار إلى أنّ الدكتور "صادق علي علي" من مواليد قرية "حبسو" التابعة لمدينة "الدريكيش"، عام 1954.