مثّلت مغارة "الداقورية" ملجأً طبيعياً للإنسان في مراحل تاريخية مختلفة منذ عصور قديمة جداً، مروراً بفترة الاحتلال العثماني، ثم الفرنسي، وحتى بعد الاستقلال. وهي اليوم مقصد لمحبي الهدوء وتأمل الطبيعة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 كانون الثاني 2017، "فواز خليل غنام" من أهالي "السميحيقة"، ليخبرنا عن سبب تسميتها بمغارة "الداقورية"، فقال: «يوجد في منطقة المغارة الكثير من أشكال الصخور الكلسية الحادة الزوايا، التي تعدّ عائقاً للسير في تلك المنطقة؛ وهذا ما يعرف باللهجة العامية المحكية "الدقر"؛ لذلك أخذت اسمها من كثرة وجود هذه الصخور في أرض المنطقة».

يوجد في منطقة المغارة الكثير من أشكال الصخور الكلسية الحادة الزوايا، التي تعدّ عائقاً للسير في تلك المنطقة؛ وهذا ما يعرف باللهجة العامية المحكية "الدقر"؛ لذلك أخذت اسمها من كثرة وجود هذه الصخور في أرض المنطقة

أما عن موقع المغارة بالنسبة للقرية، فأكّد: «تقع مغارة "الداقورية" في وادي نهر "السميحيقة"، وتحديداً في الجزء الشمالي الغربي من القرية، حيث تتوضع على الجانب الأيمن للوادي، وعلى مسافة تقدّر بواحد ونصف كيلومتر من بيوت القرية، وللوصول إلى المغارة يجب سلوك الطريق سيراً على الأقدام، نظراً إلى شدة انحدار ووعورة المنطقة».

أحد تفرعات المغارة

مدرّس الجغرافية والمهتم بدراسة المنطقة جغرافياً "سامي علي حسن"، قدّم شرحاً علمياً عن مغارة "الداقورية" وكيفية تشكّلها، حيث قال: «بسبب طبيعة المنطقة الكلسية والظروف المناخية الرطبة، توفرت في المنطقة شروط تشكيل نوعاً من التضاريس تعرف بـ"الكاريست"؛ وهي مظاهر ناتجة عن تحلّل الكلس، حيث عملت المياه المتسرّبة عبر الشقوق الصخرية التي تكثر في المنطقة على حفر قنوات باطنية كوّنت مع الزمن شبكة متصلة، وقد وجد بعضها منافذ إلى سطح الأرض، وكوّنت مغارات "كارستية" تكثر فيها أشكال الصواعد والنوازل الناتجة عن ترسيب المياه البطيء لما تحمله من حمولة، تماماً كما هي الحال في مغارة "الداقورية" التي يعود عمرها إلى ما يقارب مليون ونصف المليون سنة، وربما كانت هذه المغارة مأهولة منذ العصر الحجري؛ فالمنطقة تحوي الكثير من الآثار التي تدل على ذلك كـ"النواغيص" و"اللقى الفخارية"، وغيرها الكثير. ناهيك عن تدمير جزء كبير من الصواعد في أرضية المغارة؛ وهو ما يدل على استخدام الناس لها منذ القديم».

وفي وصف المغارة، يكمل: «المدخل الرئيس عبارة عن غرفة واسعة بعرض سبعة أمتار، وارتفاع أربعة أمتار، وتمتد "الداقورية" عدة كيلو مترات داخل الجبل، ولها فتحات ومخارج في مناطق مختلفة من القرى المجاورة، وتم اكتشاف ذلك من خلال إشعال النار من جهة مدخلها الرئيس في قرية "السميحيقة"؛ فخرج الدخان من فتحة أخرى في قرية "عامودي" المجاورة، لكن الاكتشاف الحقيقي يحتاج إلى معدّات ومختصين بسبب ضيق الممرات وتشعبها؛ لذلك ينقص الأوكسجين كلما توغّلنا نحو الداخل».

فايز غنام

رويت الكثير من القصص والأحاديث المتناقلة عبر الأجداد عن مغارة "الداقورية"، حيث مثّلت منذ القدم ملجأ لأهالي المنطقة لكونها واقعة في منطقة وعرة يصعب الوصول إليها، إضافة إلى أنها متخفية ضمن تضاريس المنطقة؛ هذا ما قاله الشاب "فواز علي غنام" من أهالي "السميحيقة"، الذي أضاف: «منذ فترة الاحتلال العثماني، بالتحديد مع السنوات الأولى للقرن العشرين، وجد ما يعرف بـ"الأخذ عسكر" أو "السفر برلك"، فكان الشبان يلجؤون إلى مغارة "الداقورية" خوفاً من أخذهم إلى مناطق حروب الدولة العثمانية في فترة الحرب العالمية الأولى، حتى إننا سمعنا من الأجداد أن المختار القديم لقرية "الفنيتيق" القريبة قد ولد في المغارة بتلك الفترة، ولاحقاً في نهايات الاحتلال الفرنسي استفاد منها الأهالي كمخبأ طبيعي محصن أثناء مقاومتهم للفرنسيين، وبالتحديد في فترة ثورة الشيخ "صالح العلي". ومع بداية الاستقلال ونتيجة تطبيق بعض القوانين كفرض الضرائب على تربية المواشي، استخدمها الأهالي كمكان لحماية قطعانهم، حيث كانت منتجاتها المصدر الأساسي لهم في معيشتهم، حينئذٍ بنوا جداراً عند مدخل المغارة، وخصّصوا حرساً من الأهالي لحماية أرزاقهم، وقد تكرر الأمر نفسه في فترة قيام دولة الوحدة بين "سورية" و"مصر" عندما صدر قراراً يمنع تربية "الماعز" في جبال الساحل السوري».

ويتابع: «ينقص هذه المغارة الدراسة والاكتشاف، فهي برأيي بما تمتلكه من ميزات يمكن أن تمثّل في الوقت الحالي قبلة لمحبي اكتشاف المغارات والدراسات الجيولوجية، ويمكن أن تكون أيضاً مقصداً لمحبي السياحة لكونها قريبة من نهر "السميحيقة" وشلالاته المعروفة بتميزها وجمالها، خاصة في فصل الربيع أسوةً بمغارات مشابهة لها من حيث التكوين».

جانب من النوازل داخل المغارة