عرف "علي ناصر" بثقافته العالية التي استثمرها لخدمة مجتمعه، فكان طبيباً حين أجرى عمليات جراحيّة حسّاسة، وكان مخترعاً حين حدّث طاحونة القرية المائية بطاحونة الديزل التي نقلها بطريقة مبتكرة على وقع المزمار.

هو ابن قرية "العليقة" في ريف مدينة "بانياس"، كما تحدث عن ثقافته المدرّس المتقاعد "علي عبد الحليم حسن"، وقال: «لقد وهبتنا الحياة جدّاً واسع الثقافة وفي جميع المجالات، فاهتم بالتحصيل العلمي بأي اختصاص كان، وشجع على ذلك في مسيرة حياته، واستخدم الفحم في كتاباته الغنية والكثيرة في زمن ندر فيه من يعرف الكتابة؛ وهو الأمر الذي انعكس عليّ شخصياً في مسيرتي التعليمية، حيث كنت من أوائل الحاصلين على الشهادة الثانوية في القرية».

لقد وهبتنا الحياة جدّاً واسع الثقافة وفي جميع المجالات، فاهتم بالتحصيل العلمي بأي اختصاص كان، وشجع على ذلك في مسيرة حياته، واستخدم الفحم في كتاباته الغنية والكثيرة في زمن ندر فيه من يعرف الكتابة؛ وهو الأمر الذي انعكس عليّ شخصياً في مسيرتي التعليمية، حيث كنت من أوائل الحاصلين على الشهادة الثانوية في القرية

امتلك الجدّ "علي" نظرة تطويرية لمختلف مجالات الحياة اليومية، وهنا قال المدرّس "علي عبد الحليم" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيلول 2016: «كان للجدّ "علي" نظرة تطويرية للواقع الفقير الذي يعيش فيه، وعليه بنى أول مطحنة تعمل على الديزل في وقت كانت طواحين الماء الخاصة بطحن الحبوب المهمة لاستمرار حياة الناس هي الطواحين الرائجة، لذلك عندما أذيع خبر إحضاره لها اجتمع رجال القرية والقرى المحيطة بكاملها للمساعدة بنقلها إلى مكان تركيبها، حيث ساهم الرجال بعزيمتهم بنقل المطحنة عدة كيلومترات عبر منصات خشبية جهزت من جذوع الأشجار، ودحرجت عليها، والفكرة كانت للجدّ "علي" حتى مكان تركيبها، وكانت الحالة أشبه بالعرس الشعبي، حيث وضع عازف الزمر على ظهر المطحنة، وبقي يعزف معزوفات حماسية للرجال حتى مكان التركيب، ولفرح الأهالي بهذا الإنجاز أصبح يقام احتفال بتاريخ السابع عشر من نيسان بجانب المطحنة في كل عام لتخليد هذه المناسبة. ومن هنا برزت أهمية ما يقوم به وتقدير الناس له، إضافة إلى قيمته المعنوية وكرامته بين الرجال، خاصة أنه كان قاضياً اجتماعياً على مستوى المنطقة بكاملها؛ أي لنحو ثلاثين قرية وأكثر».

حسنة محمد

لقد شجع الجدّ "علي" على التعليم بأسلوبه الخاص، وعن ذلك قال المدرّس "علي حسون": «في عام 1959 افتتح مدرسة في القرية ضمن منزله؛ نتيجة علاقاته الجيدة مع المعنيين بالقطاع التعليمي؛ وهو ما انعكس على التنمية الفكرية والثقافية في القرية، حيث كان منزله "مضافة" المدرّس التي فرزت للتعليم في المدرسة، ووفّر له المنامة والطعام على الدوام وعلى نفقته الخاصة؛ وهذا الأمر ساهم إلى حدّ كبير بخلوّ القرية من الأميّة حتى عام 1960».

لقد كان الجدّ "علي حسن ناصر" خطيب المنطقة وطبيبها، وهنا قال المدرّس "علي حسون": «لجأ أهالي المنطقة بمختلف القرى المحيطة إلى التداوي بالطب العربي لدى الجدّ "علي"، فقد أجرى العديد من العمليات الجراحية لما يعرف بـ"ضفر العين، والتراخوما"؛ كما كان يقال عنه، علماً أنه لم يدرس الطب أكاديمياً، وإنما وفق الخبرة والتثقيف الذاتي الذي انتهجه لنفسه، وكان الناس يثقون به ثقة تامة، وهذا إن دلّ على شيء، فهو دلالة على اطلاعه وثقافته الرفيعة، كما عالج السعال الديكي بطريقة الكيّ، وأنا شخصياً كنت أحد المرضى لديه».

خوندة أحمد

الجدّة "خوندة أحمد"، قالت عن مهارته في الطب: «لقد عرف الجدّ "علي" عملية التخدير قبل كل عمل جراحي، وذلك عبر أصدقائه الأطباء، ومنهم الدكتور "عزت عبد الله"، وذلك عبر المراقبة والسؤال عن كل حالة مرضية يعالجها أمامه، كما تمكّن من معالجة أمراض الفم والأسنان وقلعها بكل براعة وبطريقة علمية طبية وليست شعبية، وما ساعده على ذلك صناعته يدوياً لـ"كمّاشة" خاصة تسهل عمله، ناهيك عن تقطيب الجروح البالغة وبمهارة».

الجدّة "حسنة محمد" إحدى المريضات التي شفيت بمساعدته، قالت: «لقد عانيت في مرحلة الشباب بعض الأمراض، فلجأت إلى الجدّ "علي"؛ لأنه كان الوحيد والأقرب بالنسبة إلينا جميعاً ضمن المنطقة، في مختلف الحالات المرضية والإسعافية، وقدّم لي بعض الأدوية العشبية المصنوعة يدوياً حتى تمام الشفاء، إضافة إلى أنه برع بإعطاء الحقن العضلية عبر متابعته لطريقة إعطائها من قبل صديقه الدكتور "عزت عبد الله"، والدكتور "وهيب الغانم" أيضاً».

الدكتور مضر حسن

الدكتور "مضر حسن"، قال: «لقد قرأت الكثير من الكتب التثقيفية والتنويرية التي خطّها الجدّ "علي" بيديه وبحبر "العفص" الذي صنعه بنفسه، في مرحلة انعدمت فيها وسائل الكتابة، وأذكر أنه كان يشترك بمجلات علمية وطبية كثيرة تصله إلى منزله، ومنها: "الهلال المصرية"، و"العرفان"، و"طبيبك"، و"العربي"، وحقق الفائدة والتثقيف الذاتي، كما أذكر عبر حديث والدي أن الجدّ "علي" أحضر الراديو إلى القرية عام 1950، وكان يعمل على البطارية التي يشحنها عبر دارة خاصة جهّزها على مطحنة الديزل كفائدة إضافية منها؛ وهذا دلالة على مدى تطوّر تفكيره وتطبيق ما أغنى ذائقته الفكرية».

يشار إلى أنّ الشيخ "علي حسن ناصر" من مواليد عام 1887، وتوفي عام 1980.