بين شاطئ "بانياس" وجبال "البساتين" وسهل "سهم"؛ تتربّع مزرعة "قرّير" هذه المزرعة البسيطة بأهلها وبيئتها، والغنيّة بأسماك بحرها، التي تعد همزة الوصل بين البر واليابسة في مدينة "بانياس".

زارتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 أيلول 2014، والتقت المزارع "تيسير شيخة"؛ الذي حدثنا عن "قرّير" قائلاً: «هي سهل يتوسط الجبال والسهول والشاطئ، ويقع جنوب قرية "باصيّة" لتكون قرية "السّهم" السهليّة جنوبه؛ يحدّه البحر غرباً، وجبال "بساتين الأسد" شرقاً، وتبعد "قرّير" عن الأوتوستراد نحو نصف كيلو متر، كما يوجد بمحاذاة الأوتوستراد سكّة قطار تفصل بينه وبين "قرّير"، وتبعد السكّة عن "بانياس" المدينة ما يقارب 5 كيلومترات، كما نستطيع رؤية قلعة "المرقب" من "قرّير" لأنّها سهل، والقلعة تقع أعلى الجبل مطلة على القرية، وتبعد عنها نحو 5 كيلومترات، ومساحتها نحو 10 آلاف متر مربع، ويقارب عدد سكانها 1000 نسمة، ما يميّز "قرّير" أنّ مناخها الشتوي يقارب الصيفي، فأغلب الأوقات الحرارة مرتفعة والطقس دافئ، أمّا أمطارها فشتويّة صيفيّة وأحياناً يتساقط البَرَد، وعندما يتساقط بشكل كبير يكون أثره سلبياً جداً؛ حيث يضرّ البيوت البلاستيكيّة ويخرّبها، وقد يؤدّي إلى فساد نتاج الموسم وخسارة المزارعين، كما تعدّ "قرّير" مزرعة ضمن قرية "بساتين الأسد" التي تحوي عدّة مزارع غيرها، ومنها مزرعتا "البيضا"، و"السهم"؛ لتتشارك "قرّير" مع هاتين المزرعتين في البلديّة والمختار والمستوصف والعديد من الخدمات».

بدأ الإقبال على هذه المنطقة في الستيّنيات، أما الآن فقد ازداد عدد السكان عن وقتها أضعاف الأضعاف، تشتهر المنطقة تاريخياً بدورها الفاعل في المنطقة أثناء الاحتلال الفرنسي؛ فقد شارك الكثيرون من أهلها في الثّورة السوريّة الكبرى، وبسبب قربها من قلعة "المرقب" كان لها دور كبير في مواجهة الفرنسييّن، أمّا بالنّسبة للخدمات فيوجد فيها جامع ومدرسة ابتدائيّة وإعداديّة

وأضاف: «إن الحرفة الأساسيّة لسكّان "قرّير" هي الصّيد؛ لكونها تساير البحر؛ ومن المعروف أنّ أسماك "بانياس" أسعارها مرتفعة أكثر من أسماك "طرطوس واللاذقيّة" لجودتها وليونة لحمها وطعمها اللّذيذ؛ وذلك بسبب نظافة شواطئها لعدم وجود مصافٍ لتكرير النّفط فيها، ومن الأسماك الممّيزة والنادرة التي تصطاد في "قرّير" (السمنّيس والبلميدا والسكمبري)، فيبيع الصيّادون هذه الأنواع في المدينة بأسعار مرتفعة نظراً لندرتها، ورغم هذا يوجد إقبال كبير عليها، كذلك يعملون في الزّراعة لغنى تربتها السّوداء بالأملاح المعدنيّة، لكنّها تواجه مشكلة فقر في باقي الأملاح والفيتامينات؛ ما يستدعي المزارعين لاستخدام الأسمدة لمعالجة التربة، فهم يزرعون لسد حاجتهم من الغذاء».

تيسير شيخة

وحدّثنا ابن "قرّير"؛ السيد "يوسف محفوض" عن تاريخ قريته، فقال: «بدأ الإقبال على هذه المنطقة في الستيّنيات، أما الآن فقد ازداد عدد السكان عن وقتها أضعاف الأضعاف، تشتهر المنطقة تاريخياً بدورها الفاعل في المنطقة أثناء الاحتلال الفرنسي؛ فقد شارك الكثيرون من أهلها في الثّورة السوريّة الكبرى، وبسبب قربها من قلعة "المرقب" كان لها دور كبير في مواجهة الفرنسييّن، أمّا بالنّسبة للخدمات فيوجد فيها جامع ومدرسة ابتدائيّة وإعداديّة».

وعما ينقص "قرير" وما تعانيه، يكمل "محفوض": «ينقصنا العديد من الخدمات، فالمدرسة الوحيدة مكتظة بالطلاب من كلا المرحلتين، ولا يوجد مدرسة ثانويّة؛ لذا يقصد الطلّاب المدينة لمتابعة دراستهم الثانويّة والجامعيّة، أما بالنسبة لوضع الخدمات الطبية فلا يوجد أي طبيب في المنطقة؛ إذ يذهب المرضى إلى مستوصف "البساتين" لعدم توافر مستوصف في "قرّير"؛ وهذا المستوصف يخدّم ما يقارب 20 ألف مريض ويعدّ غير كافٍ لخدمتهم، وأحياناً تؤدّي بعض حالات المرض إلى الموت قبل الوصول إلى مستشفى المدينة، كما ينقصها سّوقٌ يلبي احتياجات أهلها، فهم يقصدون سوق "بانياس" المدينة لشراء اللّحوم والخضار والكهربائيّات والثّياب، وكل مستلزماتهم غير المتوافرة في المزرعة».

صورة جغرافية من الجو

ومن السكان التقينا السيّد "فؤاد قدّور" مدير مدرسة "البيضا" الساكن في مزرعة "قرّير"، فحدّثنا عنها قائلاً: «تتميّز "قرّير" بزراعة البندورة بشكل كبير خاصّة في البيوت البلاستيكيّة الشائع استخدامها، ويزيد عددها على 200 بيت بلاستيكي، وينشط الاهتمام بها صيفاً ولا ينعدم بقيّة الفصول، وهذه البيوت البلاستيكيّة تنتج أربعة مواسم من البندورة سنويّاً فيكتفي أهل "قرّير" من البندورة والفائض منها يباع في سوق مدينة "بانياس"، كذلك تشتهر بزراعة الصبّار؛ الذي نراه بكثرة على أطراف الشّوارع. أمّا عن حوادث الغرق فيقارب عددها نحو عشر حوادث سنويّاً، وذلك بسبب تفاوت عمق البحر؛ إضافة إلى علوّ الأمواج بشكل مفاجئ بسبب الرّياح والعواصف، ورغم هذا فالمنطقة مرغوبة من قبل السيّاح بشكل كبير، بسبب جمال شاطئها الصخري، ونظافة بحرها الذي يميّزها عن باقي الشواطئ، إضافة إلى مودّة أهلها وترحيبهم بالضيوف والسيّاح، وإقبالهم على مساعدة الغرباء».

وتابع: «يشتهر بحّارة "قرّير" بلغتهم البحريّة الخاصّة، أي إن لهم مصطلحات لا يفهمها سواهم، فإن سمعتها تشعر بأنك مع مجموعة من البشر القاطنين في القرن الإفريقي، ومن هذه المصطلحات "المرسي"؛ وهي حديدة ترمى على الشاطئ لإيقاف الزّورق؛ أمّا "البروّا" فهي مقدمة "الشختورة"، وللعلم فإنّ "الشختورة" هي قطعة بحريّة تتّسع لأربعة أشخاص فقط؛ وفيها شِباك للصيد أو سنّارات. و"الفلوكا" أكبر من "الشختورة" بثلاث مرّات، و"اللّنش" أكبر من "الفلوكا" بأربع مرات، وكما يعرف فعمليّة الصيد تكون ليلاً وليس نهاراً، لأنّهم يعتمدون على توجيه الضوء في بقعة من الماء عند حلول الظّلام ليلاً؛ فيتجمّع السمك عندها ويتم سحبه بالشّباك، كما أنّ الصّيد في الصّيف أكثر من الشّتاء بسبب هدوء البحر؛ إذ تكون الأنواع أجود وألذّ، وأنواعها أكثر بسبب قدرة البحّارة على الابتعاد عن الشّاطئ من 15 حتّى 20 كيلو متراً، بينما في الشتاء لا يمكنهم الابتعاد إلى هذا الحد».

يوسف محفوض