ثلاث عائلات استوطنت في أعلى موقع جغرافي في قرية "حريصون" الحالية، يطل على ما يحيط به من حقول زراعية خصبة، مبتعداً عن طرق السيل الجارف التي انتشرت في المنطقة.

إذاً هي ميزة الموقع الجغرافي المرتفع، التي بحث عنها سكان هذه الحارة "القاموع" ليستقروا فيها، وهو الأمر الذي تحدث عنه السيد "قاسم علي قاسم" الذي ناهز عمره خمسة وثمانين عاماً، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 أيلول 2014 قائلاً: «في السابق كان اختيار الموقع الجغرافي للاستقرار السكان مهماً جداً، وهو الأمر الذي اعتنى به أجدادنا القدامى، فاختاروا في هذه المنطقة أعلى رقعة جغرافية وأسموها "القاموع" نسبة لارتفاعها عن محيطها، فهي ترتفع عما يحيط بها من أراضٍ جغرافية وحقول زراعية حوالي المترين، وهي المعلومة الصحيحة لتسمية الحارة التي باتت جزءاً أساسياً وتراثياً وتاريخياً من قرية "حريصون" الحالية، حيث كان البعض يقولون إن تسمية هذه الحارة بـ"القاموع" جاءت من ارتفاع المباني السكنية فيها قبل عدة قرون، أي في زمن تأسيس القرية ككل، وحقيقة هذه معلومة غير صحيحة أو منافية للواقع في تلك الفترة؛ لعدم تواجد أبنية طابقية في السابق، وإنما منازل تراثية مؤلفة من طابق واحد فقط، وهي مبنية من الحجارة والطين، ومن المعروف أن هذه الأبنية لا تتحمل البناء فوقها لتكون طابقية.

كانت المحاصيل الزراعية تجمع على البيادر بجانب الحارة التي هي كموقع جغرافي حالي بجانب مسجد الإمام "علي زين العابدين" عليه السلام

وكانت هذه الحارة "القاموع" مؤلفة من ثلاث عائلات لكل عائلة منزلها الخاص الملاصق لمنزل العائلة الثانية فالثالثة، وكانت طبيعة هذه الطريقة في البناء مهمة ومحسوبة جيداً من قبل الأهالي، لتكون كالحامية من مختلف المخاطر والتهديدات كوحوش البرية وغيرها، خاصة أنها المنطقة الوحيدة المسكونة على امتداد عدة كيلومترات.

الجد قاسم علي قاسم

وأذكر أن العائلات الأساسية التي سكنت الحارة "القاموع" هي: آل "قاسم"، وآل "هاشم"، وآل "اسماعيل"، وكانت تعمل بالزراعة لدى ملاك وأصحاب المنطقة كلها من الإقطاعية من آل "علي ديب"، وآل "العشي"، وآل "الشيخ سيف"، وهم من فترة مخلفات الاستعمار التركي، وكانت على كبر مساحتها غير مستثمرة بشكل كامل، فترة فيها الكثير من الدونمات تكسوها الأعشاب البرية».

وبالنسبة لموقع حارة "القاموع" حالياً يقول الجد "قاسم": «يمكن تحديد موقع حارة "القاموع" حالياً بالنسبة لقرية "حريصون" في الجهة الجنوبية الغربية منها، وهي أعلى موقع فيها، وللارتفاع حسابات مهمة بالنسبة للاستيطان البشري كما قلت، خاصة أن المنطقة بالمجمل أي قرية "حريصون" الحالية كتسمية منخفضة عن بقية المناطق المحيطة بها، أما تسمياتها الحالية فهي: قرية "رأس الوطا"، وقرية "محورتي"، وقرية "بشنانة"؛ ما يعني أنها موطن السيول القادمة من المرتفعات، لذلك كان يجب على تلك العائلات اختيار أعلى موقع جغرافي فيها لتحمي نفسها من تلك السيول التي أخصبت التربة الزراعية فيها».

توضيح الارتفاع في موقع السيارة والبيت المحمي

ويضيف السيد "قاسم" فيما يخص عمر الحارة "القاموع": «وجدنا خلال عمليات استصلاح الأراضي الزراعية في الحارة الكثير من الحجارة الضخمة المشذبة والمشغولة يدوياً؛ ما يعني أنها منطقة تراثية أثرية مسكونة منذ تاريخ لا أحد يدركه.

ومن الطريف بالأمر أن في زمن الاحتلال والاستعمار الفرنسي كان الجنود يأتون بجولة إلى الحارة بين سكانها القلة يبحثون عن المنتجات الزراعية التي ننتجها ليأخذوها بحجة أنهم سيوزعون المحاصيل على أبناء الحارة بالتساوي، وكان المقاومون "الثوار" يختبئون في موقع حراجي مطل على الحارة من الجهة الشمالية الشرقية لمقاومتهم، ولكن الجنود يحتمون بأبناء الحارة من الجهة الغربية، وكنا نضطر نتيجة إخبارية من أحد الأصدقاء في جيش الاحتلال لحفر حفرة وسط كل منزل تراثي، نضع فيها أكياس القمح والشعير والذرة».

موقع حارة القاموع ضمن المثلث وفق جوجل إيرث

ويضيف السيد "قاسم": «كانت المحاصيل الزراعية تجمع على البيادر بجانب الحارة التي هي كموقع جغرافي حالي بجانب مسجد الإمام "علي زين العابدين" عليه السلام».

المنطقة كحقول زراعية خصبة جداً، وهذا بحسب حديث الأستاذ "عز الدين قاسم" مدير ثانوية القرية "حريصون"، وهو الأمر الذي جعل منها مقصداً لجميع محبي العمل بالزراعة أو من ليس لديهم أعمال يعتاشون منها، مضيفاً: «إن وفرة المياه في الحارة أمر مهم جداً بالنسبة للجميع، حيث يوجد فيها نبع تراثي يسمى "نبع القاموع" وهو نبع قديم جداً سمي نسبة لتسمية القرية وموقعها الجغرافي، وكان النبع الوحيد الصالح للشرب، ويقع غربي الحارة بحوالي 300 متر، ولا تزال مياهه جارية حتى الآن، ولكن دون استثمار يذكر، علماً أنه كان يوجد ثلاثة ينابيع أخرى هي: "نبع فرشو"، و"نبع غطيه"، و"نبع عين الحجة عليا فيه"، وهي بحسب تسميتها غير صالحة للشرب ومن كان يشرب منها تتدهور صحته.

وفي فترة متقدمة عن الفترة التراثية القديمة حفر بئر سطحي لري الحقول الزراعية، وهو كموقع جغرافي حالي بجانب المسجد، وكانت مياهه تجر إلى بركة في حارة "القاموع" لا تزال بقاياها حتى الآن، عبر قناة بطول 500 متر، مبنية من الحجارة الطبيعية المتوافرة في المكان، على ارتفاع حوالي المترين».

ويتابع السيد "عز الدين": «توسعت الحارة "القاموع" وانتشر الاستيطان السكاني في محيطها بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي الذي وزع الأراضي على العاملين فيها، بحسب عدد أفراد العائلة وذلك عام 1969، وأصبحت القرية الحالية "حريصون"».

وفيما يخص الحالة الاجتماعية لأبناء الحارة "القاموع" قال: «نتيجة قلة عدد السكان والعائلات في الحارة سادت المحبة والتسامح بين أبنائها كأنهم عائلة واحد، إضافة إلى حالات التعاون على الأعمال الزراعية المختلفة التي كانت مصدر معيشتهم الوحيدة».