حافظ الحرفي "محسن العجي" العامل بالمشغولات الشرقية على هويته التراثية في "الساحل السوري" من خلال اللونين الأحمر والأسود اللذين شكلا ذاكرة، حفظها المغترب السوري من بساط أمه الصوفي الذي نام عليه في منزله التراثي.

حرفة الشرقيات التراثية التي قلما نجد في وقتنا الحالي من استمر بالعمل بها، نتيجة عدم صعوبة تأمين المواد الأولية، وهذا ما تحدث عنه "العجي" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 تموز 2018 عن بصمة في هذا المجال، فقال: «الشرقيات وأدواتها ومشغولاتها تراث الأجداد، وهذا بالنسبة لي كان حافزاً كبيراً للمحافظة عليه، والمتابعة في العمل به منذ ما يقارب العشر سنوات، وهنا أؤكد أن الهدف منه ليس العودة إلى الماضي بهدف العودة فقط، وإنما للبناء والتأسيس عليه، لأن فيه الكثير من القيم المضافة للعمل الحرفي، حيث إن الأدوات وجدت حينئذٍ للحاجة إليها فقط، ثم انتشرت وفق كل اختصاص حرفي، فللطعام وجدت أدوات خشبية خاصة، وللحياكة الصوفية وجدت المغازل التي أسست لمزاولة العمل الحالي مع تدخل المكنة الحديثة».

المشغولات الصوفية في فصل الشتاء تمنح الدفء كثيراً، وتعزل ملابسها البرودة عن الجسد، والأهم أن عمرها مديد ويدوم لعشرات السنين وربما مئات في بعض المشغولات؛ وهذا ما يجعلها مطلوبة ومرغوبة بكثرة

ويتابع: «بصراحة العودة إلى الأوليات أكثر ما لفت انتباهي في هذه الحرفة وشدني إليها، فجميع مكوناتها تعود من دون تصنيع إلى الطبيعة؛ أي إنها تعتمد إعادة التدوير في أغلب المشغولات اليدوية، وهذا ما حاولت اعتماده، وإعادة تأصيله في حرفتي "الشرقيات التراثية"، فصنعت البسط وأغطية الأثاث بذات النموذج التراثي».

من مشغولاته

ما يميز هذه المشغولات ويجعلها مقبولة ومرغوبة لدى الناس جودتها العالية، وأضاف: «المشغولات الصوفية في فصل الشتاء تمنح الدفء كثيراً، وتعزل ملابسها البرودة عن الجسد، والأهم أن عمرها مديد ويدوم لعشرات السنين وربما مئات في بعض المشغولات؛ وهذا ما يجعلها مطلوبة ومرغوبة بكثرة».

من ضمن الشرقيات التي عمل عليها الأدوات النحاسية، وهنا قال: «شدتني أيضاً الأدوات النحاسية التي وجدتها في بيئتي الريفية منذ الصغر، فحافظت عليها قدر الإمكان، ولم أحاول وأنا صغير اللعب فيها بهدف تخريبها، بل بهدف معرفة استعمالاتها أو محاولة إعادة توظيفها في الحياة اليومية، وهذا كان له دور كبير في بلورة عملية الاهتمام بها والمحافظة عليها لاحقاً، وهذا كان جزءاً من مراحل تطور الاهتمامات ومواكبة تسارع الحياة العامة في جانب منها، فرحت أعرض ما أنتجه في مختلف المعارض الفردية والجماعية».

من مشاركاته بالمعارض

صناعة البسط الصوفية والقماشية وفق نموذج وأسلوب صناعتها التراثي من أبرز ما يعمل به، ويكاد يكون الوحيد في المحافظة بحسب ما أوضح، وتابع: «شاهدت في الماضي ضمن منازل عائلتنا القديمة المبنية منذ ما يزيد على مئة عام الكثير من البسط الصوفية والقماشية المصنوعة يدوياً بالكامل، وهي فكرة تعتمد إعادة تدوير المواد الأولية المستخدم منها وغير المستخدم، وهذه الذاكرة الرجعية كانت بداية تعلقي بحرفة التراثيات وصناعة مشغولاتها وفق الأصول الأساسية.

واللافت أن هذه المشغولات متميزة باللونين الأسود والأحمر المعروفين لدى جميع الناس، حتى إن طريقة ترتيبها معروفة ومرسومة في ذاكرة الجميع، فكثيرون من التجار الذين يصدرونها إلى خارج البلاد، ومن يشاهدها هناك يعلم أنها تراث سوري، إذاً هي بصمة وعلامة تراثية معروفة».

منذر رمضان

لقد حاول الحرفي "محسن" تطوير مهاراته بتطوير المشغولات التي يعمل عليها لتكون بصمته في العمل اليدوي الحرفي، وقال: «لكون أغلب هذه المنتجات الشرقية تصدّر ولو بكميات بسيطة وقليلة في الوقت الحالي، حاولت أن تكون مجددة نوعاً ما، لتناسب الأسواق الغربية وتحمل هوية التراثي السوري، فأضفت إليها "الشانيل" الذي يعبر عن الثقل بالقطعة التي يدخل فيها؛ وهو ما أضاف إليها طابعاً جديداً محدثاً».

وفي حديث مع "منذر رمضان" من اتحاد الحرفيين، قال عن عمل "محسن العجي": «يحمل رسالة تراثية، ويعمل عليها بكل جهد على الرغم من صعوبة الظروف الحالية، والجميل في الأمر أن نجد من يحافظ على هذا التراث ويروجه ويساهم في بقائه بجوهره كما ورثناه من الأجداد، على الرغم من إضفاء بعض التطوير على بعضه ليتماشى مع العصر، وكلما نظرنا إلى قطعة من النحاس وبجوارها البساط المشغول على النول اليدوي والطربوش واللباس العربي، نشعر بأن عبق التاريخ يعبر من خلال جسر يمتد من الماضي إلى الحاضر وصولاً إلى المستقبل، وهنا أيضاً نشاهد في عمله الكثير من هذا.

وكل هذا يعود إلى أصالة السوريين الذين اتجهوا إلى التطوير في كافة مناحي الحياة من دون أن يتخلوا عن ماضيهم وتاريخهم العريق، الذي يحمل كل الأصالة، وإرث عمره من عمر الزمن، إنها "سورية" التاريخ كما يقول الحرفي من خلال أعماله واهتمامه».

يذكر أن الحرفي "محسن العجي" من مواليد "طرطوس" 1976.