ما بين حماية المواشي من الضرائب المرتفعة أيام الاحتلال الفرنسي، واستراحة الرعاة وقت الظهيرة، حكايات لموقع أطل على وادي قرية "الجديدة" في جرد ناحية "العنازة"، ليكون المعبر الوحيد الذي يربط الساحل بالداخل، فأسموه "صف الغنم"، واستثمروه للرعي.

بإطلالة طبيعية على وادي قرية "الجديدة" في جرد ناحية "العنازة"، استراح رعاة المواشي وخبّؤوا أغنامهم وأبقارهم عن موظفي الاحتلال الفرنسي خلال عملية إحصائها بغية تخفيف أعباء الضرائب الباهظة الظالمة.

هو مكان شاهق الارتفاع، ومناسب جداً لاستراحة المواشي والرعاة، وعليه سميّ "صف الغنم"؛ أي مكان استراحة وصف المواشي في وقت الظهيرة، وذلك إبان الاحتلال الفرنسي

الموقع الطبيعي الذي استثمره رعاة المواشي في قرية "الشندخة"، وأسموه "صف الغنم"، وفر لهم بما احتضنه من مراعٍ غنية المرعى المناسب والحماية التي افتقدوها زمن الاحتلال الفرنسي الظالم، كما قال "عيسى نعوس" مختار القرية منذ خمسة وأربعين عاماً لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 أيار 2018، وتابع في حديثه عن توصيف الموقع: «"صف الغنم" موقع طبيعي مئة بالمئة، لم تمسّه يد الإنسان بأي سوء لا في القديم ولا في الوقت الرهن، لأن له مكانة خاصة عند جميع الأهالي، لكونه يحتوي مراعي خصبة جداً، وشجيرات الرعي الغنية بالغذاء لهذه المواشي، وهو متجدد بصورة لافتة مع كل هطول مطري، لذلك عملية الرعي لم تؤثر فيه.

حجر منقوش باسم صف الغنم

وهو يقع في الجهة الشرقية الجنوبية من قرية "الشندخة"، ويطل إطلالة ساحرة على وادي قرية "الجديدة"، ويُطل أيضاً منه على قرية "الدالية" غرباً، وقرية "دير الجرد" شرقاً».

ويضيف في وصف الموقع وسبب تسميته التراثية القديمة التي ما تزال قائمة حتى الآن: «هو مكان شاهق الارتفاع، ومناسب جداً لاستراحة المواشي والرعاة، وعليه سميّ "صف الغنم"؛ أي مكان استراحة وصف المواشي في وقت الظهيرة، وذلك إبان الاحتلال الفرنسي».

الإطلالة على الوادي

وفي حديث للمعمّرة "مسيلة محمود" من أهالي وسكان القرية، قالت مما تختزنه ذاكرتها عن الموقع: «موقع "صف الغنم" كان بالنسبة للرعاة مرصداً مهماً، وغير مكشوف لرصد تحركات الجنود الفرنسيين عندما يريدون الدخول إلى القرية، وذلك نتيجة صعوبة الوصول إليه إلا من طريق واحد عبر القرية، والإطلالة الكاشفة للوادي الذي يعدّ الممر الوحيد للجنود الفرنسيين، وقد عاصرت تلك الفترة جيداً بما حملته من ظلم وقسوة من قبل الاحتلال».

وتتابع: «لقد شكل الموقع في تلك الفترة مكاناً آمناً لمواشينا من ظل الضرائب الكبيرة التي فرضت علينا، فقد كنا نخفي الماعز والأغنام والأبقار من الجنود الذين كانوا يقومون بإحصاء وعدّ المواشي في كل قرية لفرض الضرائب والغرامات المالية الكبيرة بحجة تخريب الأحراج التي هي ملك لنا ومخصصة لرعي مواشينا».

خليل محمود

أما المهندس "خليل محمود"، فقال: «هو حالياً مكان جميل جداً، وشبه مهجور بسبب انقراض الثروة الحيوانية من أغنام وماعز وأبقار، تطوف حول صخوره المسطحة الكبيرة، وتنمو فيه كما السابق الأحراج من سنديان وقطلب وجربان، وهي متسابقة في تسلق صخوره المرتفعة التي تؤمن الرطوبة لهذه الأحراج.

وبحكم صعوبة الوصول إليه، لم يجرؤ جنود الاحتلال بالمغامرة لتسلق صخوره العملاقة الكبيرة، وبقي المكان الآمن لإخفاء المواشي».

في السابق كان موقع الاستراحة حتى للرعيان لممارسة طقوس التسلية، حيث قال "محمود": «في وقت الظهيرة عندما تكون الأوضاع آمنة، كان يلجأ الرعاة الفتية للاستراحة ومواشيهم في "صف الغنم"، ويمارسون مختلف طقوس التسلية وشرب الشاي والغداء، ويمارسون طقوس تقليم الشجيرات بغية جمع الحطب اللازم للشتاء، ويبقون فيه حتى وقت الغروب ليعودوا بعدها إلى منازلهم».