لم تكن القيمة الاجتماعية التي تميزت بها "مرابة العسكر" في قرية "الشندخة" من عمرها الممتد إلى أوائل القرن العشرين وحسب، ولا لكونها أيضاً نقطة علام على طريق السفر بين الساحل والداخل مروراً بمنطقة "أبو قبيس"، بل لكونها شاهدة على التاريخ.

إذاً، شجرة "مرابة العسكر" هي الشاهدة على التاريخ في منطقة ترتفع عن سطح البحر 600 متر على الأقل، بل هي حكاية التراث اللا مادي وارتباط الجغرافية به، والطقوس الاجتماعية والذكريات أيضاً.

ومن بعض الذكريات، أنه في أحد الأيام أقدم أحد الجنود الفرنسيين برفقة مجموعة من الجنود الآخرين على قتل امرأة وطفلها بجانب شجرة "مرابة العسكر"؛ وهو ما أثار حفيظة الأهالي في المنطقة، فثاروا عليهم بكل قوة وبسالة، وتصدوا لهم وقتلوا عدداً كبير من القتلى وكبدوهم هزيمة قوية ضمن معركة أسميناها حينئذٍ معركة "وادي القتلى"؛ نسبة لعدد قتلاهم

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 نيسان 2018، التقت مختار قرية "الشندخة" "عيسى نعوس"، الذي قال عن موقعها وأهميتها: «تتجذّر شجرة "مرابة العسكر" الممتد عمرها إلى أوائل القرن العشرين في مكان يتوسط وادي قرية "الشندخة" المعروف على مستوى جرد "العنازة"، وهذا الوادي أو الذي يمكن القول عنه لما كان عليه سابقاً كمعبر آمن، هو طريق حيوي ومهم جداً الآن وفي السابق، لأنه يصل ما بين الساحل والداخل، وبكلام أدق ما بين ناحيتي "الدالية" و"أبو قبيس".

جذع مرابة العسكر

وشجرة "مرابة العسكر" من الأشجار القليلة جداً المعمّرة في المنطقة، وهي الوحيدة من فئتها كشجرة "مراب" مثمرة، ويظهر عليها العمر المديد من شكلها وثخانة جذعها مقارنة مع بقية الأشجار من صنفها.

وكل هذا تميز لها وقيمة اجتماعية ورثته بحكم الزمن، لكنه ليس كل شيء، فهي بالنسبة لنا تاريخ عريق يروي نفسه، لما عاصرته من أحداث تاريخية بعضها من زمن الاحتلال العثماني، وبعضها من زمن الاحتلال الفرنسي، وبعضها من مرحلة الاستقلال، وجميعها ذكريات محفورة بوجودها وشاهدة عليها.

المختار عيسى نعوس

المعمّرة "مسيلة محمود" من أهالي وسكان القرية، قالت: «اسم الشجرة "مرابة العسكر" يثير الكثير من الفضول بالنسبة لعامة الناس أو السامعين بها، وبحسب الأحاديث المنقولة بالتواتر بين المعمرين في القرية، فإن السبب في تسميتها بهذا الاسم يعود إلى زمن الحملات العسكرية للمحتلين العثماني والفرنسي، أو ما كان يعرف بـ"العسكر" أو "الدرك" أو "الجندرما"، حيث كان الجنود العسكريون يتخذون من ظل هذه الشجرة استراحة لهم خلال تنقلاتهم العسكرية البعيدة والقريبة، وذلك لكونها في منتصف وادٍ ذي طبيعة جميلة جداً ويتوسط الجبال المرتفعة والشاقة بالعبور».

وتتابع: «ومن بعض الذكريات، أنه في أحد الأيام أقدم أحد الجنود الفرنسيين برفقة مجموعة من الجنود الآخرين على قتل امرأة وطفلها بجانب شجرة "مرابة العسكر"؛ وهو ما أثار حفيظة الأهالي في المنطقة، فثاروا عليهم بكل قوة وبسالة، وتصدوا لهم وقتلوا عدداً كبير من القتلى وكبدوهم هزيمة قوية ضمن معركة أسميناها حينئذٍ معركة "وادي القتلى"؛ نسبة لعدد قتلاهم».

المهندس خليل محمود

وفي لقاء مع الكاتب والمهندس "خليل محمود" من أبناء القرية، قال: «شجرة "مرابة العسكر" من الأشجار البرية ومن فصيلة الإجاصيات التي تنتشر بكثرة في مناطقنا نتيجة ملاءمة طبيعة المناخ لنموها، وهذه الثمار؛ أي "المراب" كانت تمثّل غذاء مهماً بالنسبة للأهالي في فصل الصيف لكونها مغذية ولذيذة، وكذلك كانت في السابق مصدر رزق لكثير من العائلات، حيث كانت تتصدر الأسواق أو تباع في الوادي تحت ظلال "مرابة العسكر".

وبالنسبة لـ"مرابة العسكر" كانت ملتقى الأهالي في المنطقة ورعاة المواشي و"الحواصيد" والصيادين وشيوخ الكتاب والعشاق والطلاب، فقلما نجد شخصاً لا يعرفها أو سمع عنها في مختلف قرى المنطقة، وكذلك كانت بجمالها وإرثها الاجتماعي ملهمة الشعراء والكتّاب، وقد كتبت عنها في إحدى مذكراتي:

"هي جسر يصل الماضي بالحاضر بمستقبل السنين

هي تاريخ بطولة وعشق وألف قصيدة وموال حزين

هي من ضمت بظلالها ألف فلاح وعامل وطالب وعابر سبيل

هي طعام البراري وخيمة السياح وملجأ الحصادين

هي الشاهد الحي على حكايا الزمن القديم وذكريات الحنين

السامع المنصت لغزل العشاق وصلاة الأولياء الصالحين

هي بيت الدوري والصفرون والطروب لأنغام الحجل والحساسين

هي العالمة بمواسم الثلوج وألوان الربيع وشمس آب وخريف تشرين

هي تاريخ الأجداد وميراث الأحفاد، هي رسالة الطبيعة للوافدين"».

بقي ختاماً أن نذكر، أن شجرة "مرابة العسكر" تبعد عن قرية "الشندخة" نحو 1،5 كيلومتر.