تجربة الكتابة للأديب "علي أحمد" تخللها الكثير من التناقضات في التفاصيل المستقاة من الواقع وشخصياته، وتجلت في طبيعة الألفاظ والتراكيب والصور؛ وهو ما كوّن حالة جذب للمتلقي النهم، وكشفت الأسرار ما بين السطور.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأديب "علي أحمد" بتاريخ 6 كانون الثاني 2018، ليحدثنا عن البدايات، فقال: «بدايتي كانت عندما كنت في السادسة عشرة تقريباً، مع رواية "الخيميائي" للكاتب البرازيلي "باولو كويلو"، حيث فتحت لي باب هذا العالم اللا متناهي، عالم الأدب وما يحويه من قصص وحيوات، وكانت هذه البداية مشجعة لمتابعة الاطلاع والقراءة واستكشاف ما وراء هذا الباب.

لم يكن الاعتماد كبيراً على الألفاظ أو التّراكيب الصعبة، وفضّلت البساطة في القول واستخدام الكلمات القريبة من القارئ، والقريبة منّي بطبيعة الحال، والاعتماد أكثر على الأفكار وما يمكن لها أن تلمس في نفس القارئ

بالتأكيد ما زال اطّلاعي محدوداً، لكنّه كان كافياً في تلك المرحلة لأجد إلهاماً عظيماً في بعض ما قرأت، ومن الملهمين الأساسيين كان الكاتب والروائي اللبناني "إلياس خوري" مع رواية "باب الشمس" على وجه الخصوص، فقد أسرني أسلوبه في سرد القصص، وكيفية نقله بينها دون أن يسمح لمشاعر القارئ بالهدوء.

روايته "سوف أروي"

كذلك أثّر فيّ بعض الشعراء، كالشاعر "محمود درويش" الّذي استحضرته في عدّة مواضع خلال روايتي "سوف أروي"».

وعن دور البيئة والمحيط فيما يقدمه من أدب، قال: «أظنّ أنّه ما زال باكراً على قول (الحياة الأدبيّة)، فأنا ما زلت ألتقط أنفاسي، وربّما لم يكن لوسطي الاجتماعي ذاك الأثر الملحوظ في دخولي مجال الأدب، بل كان هذا المجال انفصالاً عن واقعي إلى حدّ ما، لكن لم يخلُ الأمر من بعض الأشخاص في محيطي القريب من القرّاء والمهتمّين، الذين اقترحوا عليّ روايات معيّنة لأقرأها.

وبالنّسبة لدور المحيط في كتاباتي، فقد بدأ الأمر بالتشجيع على الاستمرار من بعض المقرّبين والأصدقاء، إذ كانوا يبدون إعجابهم بما أكتب، ويشجعوني على المتابعة، خاصّة ممّن وجدوا أنّني أعبّر عنهم في بعض كتاباتي، وأثناء مراحل كتابتي، كنت أرسل المسودّات إلى عدّة أشخاص يهمّني رأيهم وملاحظاتهم، نظراً إلى خبرتهم واطّلاعهم الواسع على الأدب».

وفي حديثه عن تجربته الروائية "سوف أروي"، قال: «هي ليست تجربتي الأولى مع الكتابة، حيث كنت أكتب وأعبّر عن حالات وأفكار معيّنة بنصوص قصيرة مختصرة، وكنت أشارك كتاباتي هذه عبر صفحتي الشخصيّة على موقع "الفيسبوك"، ولم يكن من السهل الانتقال من تلك الشذرات، التي لم تكن تتجاوز عدّة أسطر، إلى رواية كاملة.

خلال توقيع روايته

وعلى الرغم من ملاحقة هذه الفكرة لي في البداية، إلّا أنّني تعثّرت كثيراً في المحاولات، ومزّقت الكثير من الأوراق قبل أن أعرف كيف أبدأ، لكن بعدها تجاوزت نفسي، فبدأت وكتبت، وكان هذا العنوان مرتبطاً برغبتي الكبيرة في الكتابة، حين كانت تجتاحني الأفكار، وتدور في رأسي وترهقني، وحينئذٍ كنت أكتبها وأحتفظ بها من دون تسمية معينة. وفي حين كثرت في مرحلة معيّنة من عام 2016 حالات اجتياح الأفكار هذه، كانت تزداد رغبتي بكتابة رواية تحمل أفكاري عنّي، وبعد عدة محاولات فاشلة ومبتذلة، كما عددتُها، بدأت محاولة مختلفة تحمل اسماً يشجّعني على الكتابة "سوف أروي".

وبدأت أحداث الرّواية تتصاعد لأدوّنها، تملّكني شعور الحماسة لكتابة أحداث تالية كأنّني قارئ لا يملك الصّبر لمعرفة ما ستؤول إليه أحداث القصّة، وكيف ستكون النّهاية، لأكتشف في النهاية أنّ العنوان لم يكن دعماً وتشجيعاً لي فقط، بل أصبح عنواناً دقيقاً للعمل».

ويتابع: «أغلب الأحيان ترتبط بأذهاننا كلمة كاتب بصورة شخص أشيب الشعر، وربّما لأنّ شهرتهم تأتي بعد العديد من التجارب، وتراكم الخبرات الحياتيّة بمختلف أشكالها، وكتاباتي تحتوي بعض الأفكار الجدليّة الّتي تتجلّى فيها، كحديث مع الذات، أي نمط حواري خارجي بسيط، وذاتي عميق، وتُظهر القصّة بتفاصيلها نوعين من التّناقض الّذي اعتمدتْه معظم الأفكار، النوع الأوّل تناقض النفس البشرية، تناقض أفكارنا فيما بينها، وخلاف العقل والقلب. والنّوع الثاني تناقض الشخصيّات والفارق الكبير بين أفكار ومشاعر شخص وآخر».

وفيما يخص تراكيبه وألفاظه، قال: «لم يكن الاعتماد كبيراً على الألفاظ أو التّراكيب الصعبة، وفضّلت البساطة في القول واستخدام الكلمات القريبة من القارئ، والقريبة منّي بطبيعة الحال، والاعتماد أكثر على الأفكار وما يمكن لها أن تلمس في نفس القارئ».

وفيما يخص الصور الأدبية، قال: «بما أنّ الحياة عبارة عن مشاهد، أحياناً نكون مشاهدين، وأحياناً ممثّلين، فإنّ الكثير ممّا نمرّ به أو يمرّ به من هم في نطاق حياتنا لا يمحى من الذاكرة، ويبقى كتراكم الصور والأحداث غير المنسّقة، وتجربتي وتجارب غيري ساعدتني على تكوين الصورة الكاملة، بربط الصور غير المكتملة في ذاكرتي مع وقائع شخصيّة، تجانست اللوحة كمشهد مترابط».

طالبة كلية الصيدلة "لميس صالح"، قالت: «تمكّن "علي" على الرغم من صغر سنه والظروف الصعبة من تقديم أدب يجذب المتلقي بكل براعة وشغف، فقد امتلك شجاعة الخطوة نحو الأمام ليكون كاتباً متميزاً، وقد تأثرت بروايته؛ لأنها حاكت شيئاً في داخلي كفرد، ودفعتني إلى التعايش معها بكل براعة وسلاسة».

أما المدرّس والكاتب "زين العابدين محمد حسيكو"، فقال: «لامست فيه جوانب إنسانية كثيرة من خلال كتاباته وما قبلها، وهذا أشعرني بقدر جيد من الشبه فيما بيننا، وهو غريب بأفكاره، وهذه الغرابة لافتة للنظر. إضافة إلى أنه يملك طريقة جميلة في سرد الأفكار، تشعرني بأنني أقرأ أفكاري بقلم خبير بالحياة، والأهم التفاصيل التي كانت أساس كتاباته».

يشار إلى أن الأديب "علي أحمد أحمد" من مواليد مدينة "طرطوس" عام 1997، ويدرس هندسة ميكاترونيك.