عوامل طبيعية متنوعة جعلت لقرية "نعنو" موقعاً متميزاً، خاصة قربها من جبل بركاني أكسبها تربة فريدة من نوعها ساهمت في دفع أهالي المنطقة إلى امتهان صناعة الفخاريات.

اهتم أهالي القرية في الماضي بصناعة الفخار، وهي صناعة وافدة إلى القرية من جارتها قرية "الشعرة"، وإتقانهم للصنعة جعلهم يباشرون ببناء "آتون" فخاري بعمل تعاوني جمعهم؛ هذا ما قاله المعمّر "أحمد عطية" من أهالي القرية، الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 تشرين الأول 2017، ويتابع: «لقد وصلت شهرة القرية بهذه الصناعة إلى كافة مناطق المحافظة، وكانت إما تباع أو يتم استبدالها بالزيت، وتذهب القافلة محملة بالجرار الفخارية لتعود محملة بالزيت، وقد شهدت هذه الصناعة مرحلة ازدهار كبيرة، فقد كانت تصنع العجينة من تربة نادرة تدعى "الأصيل"، لكن مع الزمن اعترضت الصناعة بعض الصعوبات من عدة نواحٍ؛ وهو ما أدى إلى إهمالها وإيقافها، ومع بداية السبعينات تهدم الآتون وجرت عدة محاولات لإعادة ترميمه، إلا أن الموافقة من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف لم تعلن، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه الآتون الفريد من نوعه والوحيد على مستوى "سورية"، ويعود تاريخه إلى نحو 200 سنة».

وجود جبل بركاني أعطى القرية ميزات إضافية ساهمت بإغناء تربتها بعناصر الحديد، إضافة إلى وقوعها في منطقة المناخ المتوسطي الجبلي الذي تزيد أمطاره على 1000مم في السنة، مع تساقط الثلوج في بعض الأحيان جعل غطاءها النباتي الطبيعي متنوعاً كالسنديان دائم الخضرة والبلوط متساقط الأوراق والصنوبر، إضافة إلى أنواع من الأعشاب الطبية

التنوع الجغرافي والجيولوجي بين الصخور الكلسية الرسوبية من جهة، والمقذوفات البركانية لجبل النبي "شيت" من جهة أخرى، أعطاها أنواعاً متميزة من الترب إحداها تدخل في صناعة الفخار، وعن الجانب الطبيعي قال المهتم في البحوث الجغرافية "سامي حسن": «وجود جبل بركاني أعطى القرية ميزات إضافية ساهمت بإغناء تربتها بعناصر الحديد، إضافة إلى وقوعها في منطقة المناخ المتوسطي الجبلي الذي تزيد أمطاره على 1000مم في السنة، مع تساقط الثلوج في بعض الأحيان جعل غطاءها النباتي الطبيعي متنوعاً كالسنديان دائم الخضرة والبلوط متساقط الأوراق والصنوبر، إضافة إلى أنواع من الأعشاب الطبية».

شجرة سنديان ضخمة

رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار "طرطوس" "بسام وطفة"، وهو من أهالي قرية "نعنو" حدثنا عن سبب التسمية والموقع والسكان، حيث قال: «التسمية لفظ سرياني، تلفظ فتحة النون بإمالة خفيفة إلى الكسر "نَنِو"، ونرجح أن يكون اللفظ مركباً من الجذر (نا – ني) بمعنى هلم أو هيا، والجذر (حا) غنو باللهجة الغربية بمعنى استجاب أو أجاب، وبهذا الشكل تصبح لدينا جملة: (دعاه فاستجاب للدعوة)، أي اسم القرية يعني الداعي والمستجيب، أو الآمر والمنفذ، أو القائد الآمر المطاع، وهي إشارة واضحة إلى وجود موقع قيادي يترأسه رجل حازم شديد على قومه».

ويتابع: «القرية تتبع إدارياً إلى منطقة "القدموس"، حيث تقع في الجهة الجنوبية منها، وتبتعد عنها مسافة اثني عشر كيلو متراً، وترتفع عن سطح البحر ما يقارب 850 متراً، حيث تتربع على الطرف الغربي من جبل "المدكات" الممتد باتجاه شرق غرب، والمتصل بجبل النبي "شيت" من جهة الشرق، وعلى جبل "الرويسة" من جهة الغرب، وتتوسط مجموعة من القرى بمسافات متقاربة تراوح بين اثنين إلى ثلاثة كيلومترات، وهي: قرية "المشيرفة" من الشرق، وقرى "المنصورة" و"عامودي" و"خربة عامودي" من الغرب، ومن الشمال النهر وقرية "الشنية"، ومن الجنوب ساقية "بورباح" التي تفصلها عن كل من قرى "الجماسة القبلية" و"بسقاية"، ومن جهة الجنوب الشرقي قرية "الشعرة". كما يبلغ عدد سكانها ثلاثمئة نسمة، ونسبة كبيرة من المتعلمين والموظفين يعيشون خارجها في مراكز المدن، ومن عائلاتها: "شمة"، و"عطية"، و"وطفة"».

صورة للقرية على الخريطة

ويضيف: «في القرية عدد من العيون والينابيع، أهمها: "عين الجرن" الأثرية، التي تعود إلى العصر الروماني، والتي تمّ تجديدها في العصر الإسلامي، وعين "الحورة"، وهي قناة وبركة أثرية تعود إلى ذات العصر "الروماني"، وتستخدم للسقاية، وينابيع أخرى، مثل: "بو رباح"، و"الفوار". وفيها منطقة تدعى "حرف الأسود" واقعة في الجهة الغربية؛ وهي غنية بخام الحديد؛ حيث تزيد نسبة المادة الخام في الحجر على ثمانين بالمئة، إضافة إلى وجود واحدة من أكبر أشجار السنديان المعمّرة في المنطقة.

هذا وترتبط القرية مع القرى المجاورة بعدة طرق معبدة، والأكثر تميزاً الطريق الذي يربطها بقرية "الشعرة" والمشتل الزراعي بينهما جعله كالطريق المؤدي إلى الجنة».

جرة فخارية

أما عن الوضع المعيشي والخدمات، فقال: «يعمل السكان بالزراعة، وأهمها زراعة التبغ، والقمح والأشجار المثمرة في وقت شهدت فيه بعض الزراعات تراجعاً، كالذرة الصفراء والبيضاء، وزراعة أشجار التفاح بعد أن كان الإنتاج عشرات الأطنان نظراً إلى التكلفة العالية، وبعد مراكز التسويق. وقد تم تخديم القرية بشبكة كهرباء وشبكة مياه للشرب، لكن لا تأتي مياهها إلا في أيام محددة في الأسبوع لساعات قليلة، كما تعاني القرية مشكلة في خط الهاتف وخدمات الإنترنت غير المتوفرة. ولكون القرية صغيرة واقعة بين طريقين: شرقي وهو طريق "المقرمدة"، وغربي وهو طريق "المنصورة"؛ أدى ذلك إلى لجوء الناس إلى الدراجات النارية أو الطلبات الخاصة؛ وهذا يعدّ مرهقاً خاصة للموظفين والطلاب المضطرين للتنقل اليومي. وفي القرية مدرسة ابتدائية، أما طلاب المرحلة الإعدادية، فيضطرون إلى الدراسة في مدرسة "المنصورة"، أما المرحلة الثانوية، فتدرس في مدارس "القدموس"؛ وهذا أيضاً يزيد من معاناتهم والتكاليف».