يعدّ نبع "الناصوب" النبع الوحيد من حيث غزارته واستمراريته وثبات جريانه في منطقة فرض عليها الجفاف بسبب عوامل الطبيعة وتكوينها الصخري وبنيتها الجيولوجية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 حزيران 2017، "منهل غانم" من أهالي قرية "الدي" في محافظة "طرطوس" ليحدثنا عن النبع، حيث قال: «يقع نبع "الناصوب" غرب القرية على سفحها الشمالي المقابل لقرية "كعبية عمار" بين قريتي "الدي" و"مشتية باب النور"، ويبعد عن الطريق العام مسافة تقدر بخمسين متراً فقط، وهو النبع الوحيد في القرية، دائم الجريان، تنساب مياهه بعذوبة ضمن جدول صغير بمنظر طبيعي ساحر، بينما الينابيع الأخرى لا تعدو كونها ينابيع شتوية تجف أواخر الربيع حتى بداية فصل الشتاء، ويعدّ من أهم المعالم السياحية التي تتميز بها القرية، والتي تمثّل مقصداً للسياح والزائرين من المناطق المجاورة، إلى جانب مغارة "الجباب" وشجرتها وواديها الأخضر، وغيرها من هذه المعالم».

هو محطة استراحة للعابرين من المزارعين أثناء ذهابهم وعودتهم من أراضيهم في موسم الحصاد وجني المحاصيل، وهو أيضاً محطة للسياح وعابري الطريق من أي مكان، كما يعدّ قبلة لأهالي القرى المجاورة لتأمين احتياجات منازلهم من مياه الشرب النقية

ويكمل: «يعود بناء النبع إلى أربعينيات القرن الماضي، وأعيد ترميمه أول مرة وبناء خزان له في عام 1992، ثم أجريت بعض الإصلاحات عليه وتمّ بناء خزان ثانٍ في عام 2008، وكل هذه الإصلاحات بمختلف مراحلها كانت تُجرى من خلال عمل تعاوني بين أهالي القرية من خلال تأمين مواد البناء والأيدي العاملة لضمان استثمار أمثل للمياه بدلاً من الهدر خاصة في فصل الصيف، ولأنه المصدر الوحيد الذي يؤمن مياه الشرب والسقاية للأهالي، ومؤخراً أجريت عدة تحاليل مخبرية على مياهه ليتبين مدى عذوبتها، وأنها من أجود أنواع المياه».

أحد خزانات النبع

يتابع "غانم": «لم يعتد أهالي القرية تقاسم مياه النبع، بل هي متاحة للجميع وفي أي وقت للتزود بمياه الشرب وسقاية المحصولات، خاصة عند زراعة المحصول الرئيس التبغ، الذي يحتاج إلى الكثير من المياه خلال مراحل زراعته من بدايتها إلى حين جني المحصول، كما يستخدمونها لسقاية بعض المحاصيل الصيفية حول المنازل، كالبندورة والخيار والفاصولياء، وغيرها».

وعن سبب التسمية قال: «هناك سببان للتسمية كما جاء على ألسنة أجدادنا، الأول: قبل اكتشاف النبع كان هناك نبتة من نوع "الديس" كما تعرف شعبياً، وكانت ضخمة جداً، وسبب هذه الضخامة رطوبة الأرض في تلك النقطة المحاطة بالجفاف، وكانت منطقة مناسبة للنصب؛ أي زراعة الأشجار المثمرة. أما السبب الثاني، فيقال إن الناس كانوا ينصبون شاهداً في منطقة النبع، وهو عبارة عن حجر كبير يدعى "الناصوب" يرشقونه بالحجارة الصغيرة بصورة تنافسية فيما بينهم».

من الآبار القديمة

أما عن جغرافية وطبيعة الموقع، فيقول المدرّس المهتم بالبحوث الجغرافية "سامي حسن": «لقد ساهمت طبيعة المنطقة ومناخها وربما الإنسان في وجود هذا النبع، الذي يعدّ من حيث استمرارية جريانه الوحيد في القرية التي بالأساس تتكون من ثلاث قمم جبلية؛ ترتفع أعلاها نحو 975 متراً عن سطح البحر على السفح المواجه للبحر؛ وهذا ما أعطاها مناخاً متميزاً غزير الأمطار شتاء، جافّ صيفاً، وعلى الرغم من أن أمطارها تفوق أحياناً ألف ميليمتر سنوياً، إلا أن المنطقة فقيرة بالجريانات السطحية والينابيع الجوفية؛ ولهذا يعدّ النبع الوحيد من ناحية الغزارة وثبات الجريان في كل الفصول، ويعود فقر المياه هذا إلى التكوين الصخري للقرية عموماً، ومنطقة النبع بوجه خاص، والمنطقة تعرف بجرد "القدموس"، حيث تكثر فيها الصخور الكلسية الغنية بالشقوق والمسامات التي تتسرب عبرها مياه الأمطار والثلوج مشكلة شبكة من القنوات الباطنية الناتجة عن تحليل المياه للكلس لتخرج إلى السطح على عدة مستويات، كان أعلاها "الناصوب"، وتخسر بذلك المنطقة قسماً كبيراً من مياهها لمصلحة المناطق الأكثر انخفاضاً، ويلاحظ أيضاً وجود عدد من الآبار القديمة في القرية، التي تعود إلى ما قبل العصر الإسلامي، والتي اختلف على وظيفتها، لكن على الأرجح هي جزء من شبكة مخازن وقنوات صخرية حفرتها الحضارات القديمة بما يعرف بالأفلاج لاستجرار المياه إلى مناطق معينة، والاستفادة منها بدلاً من هدرها، وربما لهذا النبع ارتباط بهذه الشبكة».

النبع يمثّل نقطة التقاء ومكاناً لتبادل الأحاديث والأخبار بين الناس، أيضاً للمزارعين؛ هذا ما قاله المدرّس في ثانوية "الدي" "عماد إبراهيم"؛ وهو من أهالي قرية "النواطيف" المجاورة: «هو محطة استراحة للعابرين من المزارعين أثناء ذهابهم وعودتهم من أراضيهم في موسم الحصاد وجني المحاصيل، وهو أيضاً محطة للسياح وعابري الطريق من أي مكان، كما يعدّ قبلة لأهالي القرى المجاورة لتأمين احتياجات منازلهم من مياه الشرب النقية».

الطبيعة القاسية للمنطقة