طبيعة الموقع المنخفض والجروف المرتفعة التي تحيط بقرية "كرم التين"، مثّلت عامل حماية وجذب، وأكسبتها الكثير من المقومات التي جعلت منها موطناً للإنسان منذ القديم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 نيسان 2017، المهندس "عدنان ميهوب البدوي"، من أهالي قرية "كرم التين"، ليحدثنا عن الموقع والحدود والسكان، حيث قال: «تقع في الجهة الغربية من مدينة "القدموس" وتتبع لها من الناحية الإدارية، وتبعد عنها مسافة تقدر بثمانية كيلو مترات، وإلى الشرق من مدينة "بانياس" على بعد ستة عشر كيلو متراً عنها، وتحيط بها مجموعة من القرى، فمن جهة الشرق قرية "القديميسة"، ومن الشمال الشرقي قرية "الفنيتق"، ومن الشمال الغربي قرية "السميحيقة"، ومن جهة الغرب قريتا "بيت المرج"، و"وادي السقي"، أما من جهة الجنوب، فتحدها قرية "خربة القبو". وتتألف القرية من حارتين رئيستين، وهما: "الضيعة"، و"الحارة الغربية". والعائلات فيها هي: "البدوي"، و"ملحم"، و"حسن"، و"عيسى"، و"سليمان". وعدد السكان القاطنين على أراضيها أربعمئة نسمة».

هي كلمة عربية سريانية، وتعني الأرض التي يحيط بها حائط وفيها أشجار. أما التين، فهي ثمار تؤكل اشتهرت بها المنطقة، ففي السريانية والأكادية "تينو"، وفي الآرامية "تينا"

وعن مقومات الحياة في القرية، يقول: «يعتمد الأهالي على الزراعة بوجه رئيس، ومن أهمها "التبغ"، حيث يزرع في مسافات لا بأس بها ضمن أراضي القرية، كما يعتمدون أيضاً زراعة أشجار الزيتون على مسافة واسعة جداً، ويمثّل إلى جانب التبغ المحصولين الرئيسين المعتمدين لتحسين مستوى المعيشة، إلى جانب أنواع أخرى من الأشجار المثمرة كالتفاح والإجاص والعنب والتين والخوخ والمشمش واللوز والجوز والدراق والرمان والمانغا، ويزرع القمح لسد احتياجات المنازل، إلى جانب بعض المزروعات الحقلية كالملفوف والسلق والبصل والثوم والبطاطا والخس وغيرها، وأيضاً الاعتماد على إنتاج بعض المحاصيل الأخرى من خلال الزراعات المحمية ضمن البيوت البلاستيكية التي تنتشر ضمن أراضي القرية، مستفيدين من الآبار الارتوازية التي تم حفرها منذ سنوات عديدة، ومياه النهر والينابيع في القرية».

جانب من أراضي القرية والطريق

إذاً، لقرية "كرم التين" مقومات زراعية عدة فرضتها طبيعة الموقع المنخفض عما يجاورها، عن هذا التميز تحدث المهتم بالبحوث الجغرافية في منطقة "القدموس" مدرّس الجغرافية "سامي حسن"، حيث قال: «القرية واقعة على الطرف الشرقي لحوض انهدامي صغير تحيط به الجروف العالية الشديدة الانحدار، التي مثّلت عامل حماية للقرية من الظروف المناخية القاسية التي تتميز بها المنطقة بوجه عام، كما أن وجودها ضمن هذا الحوض جعلها قريبة من طبقة المياه الجوفية، بدليل وجود عدد من الينابيع والآبار الارتوازية إلى جانب وجود وادٍ نهري ينحدر باتجاه الغرب، وقد كان له دور كبير في تكوين تربة لحقية خصبة، هذه العوامل جميعها انعكست إيجاباً على الواقع الزراعي للقرية وتنوع الحاصلات فيها، وانتشار الزراعات المحمية في البيوت البلاستيكية».

هذا الموقع المحمي من عوامل المناخ القاسية جعلها موطناً للإنسان منذ القديم، ولعل وجود الآثار في المنطقة يدل على ذلك، ومنها موقع "القري الأثري"، وعنه يقول "بسام وطفة" رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار "طرطوس": «توجد في الجهة الشرقية من القرية، وضمن الأراضي الزراعية بروز متقدم عن السفح الجبلي تغطيه أشجار السنديان الكثيفة، وهو ما يسمى "مزار القري"، ويبعد عن القرية مسافة واحد كيلو متر ونصف الكيلومتر، ويتم الوصول إليه من خلال سلوك طريق زراعية؛ وهو عبارة عن بقايا جدران عريضة لأبنية سكنية وخدمية قديمة ومتهدمة تم بناؤها بقطع حجرية كبيرة ومتوسطة الحجم، بعضها منحوت، وبعضها الآخر مشذب، والغرف لا تزال واضحة المعالم، حيث الجدران قائمة بارتفاع متر واحد، كما نلاحظ في ذات المنطقة وجود جرن حجري منحوت، وانتشاراً لقطع الفخار الإسلامي».

القرية عبر غوغل إيرث

وفي حديثه عن أصل تسمية القرية، يقول: «هي كلمة عربية سريانية، وتعني الأرض التي يحيط بها حائط وفيها أشجار. أما التين، فهي ثمار تؤكل اشتهرت بها المنطقة، ففي السريانية والأكادية "تينو"، وفي الآرامية "تينا"».

وأضاف المهندس "عدنان البدوي" عن الجانب الخدمي في القرية بالقول: «تم منذ سنوات حفر عدد من الآبار الارتوازية لتفادي أي نقص للمياه أو ضعف الينابيع صيفاً، وتم أيضاً مد شبكة مياه شرب، لكن لا تضخ المياه عبرها إلا مرة واحدة كل خمسة وعشرين يوماً فقط، مع توفر خدمات أخرى كالهاتف الآلي وخدمات الإنترنت ADSL، مع المعاناة من نقص في عدد من الخدمات الأخرى، كغياب وجود شبكة صرف صحي، ولا يوجد في القرية إلا طريق زراعي واحد مكون من فرعين بحاجة إلى تعبيد لتسهيل وصول المزارعين إلى أراضيهم الزراعية والنهر تمهيداً لإمكانية استثمار مياهه بوجه أوسع. أما تعليمياً، فيوجد في القرية مدرسة ابتدائية وإعدادية، والحقيقة أن نسبة التعليم مرتفعة جداً، وتكاد تخلو القرية من الأميّة باستثناء بعض كبار السنّ».