جسّد الأديب "علي ديبة" بتنوع أجناس كتاباته الساخرة قضايا المجتمع الذي خرج منه، بنمطية ذهنية بدأت من المرأة كمحرض للدفقات الأدبية، فكان كما أطلق عليه: "الأديب الساخر".

مدونة وطن "eSyria" التقت الأديب "علي ديبة" بتاريخ 27 نيسان 2017، في حوار تحدث فيه كبداية عن أن الأدب بالنسبة له هواية كما بقية الهوايات، لكنها كانت نامية، مضيفاً: «هذه الهواية كانت إلى حدّ ما على شكل رسائل أتبادلها مع الأصدقاء والزملاء والفتيات، وأتذكر أن هذه الرسائل هي التي جعلت من الكلمة ناشطة ومتقدمة على بقية المواضيع في المدرسة، استمرت وتطورت حتى المرحلة الإعدادية، حيث تحولت رسائل الحب إلى شيء يشبه القصائد، ونالت إعجاب أصدقائي الصغار، وحصلت على الكثير من كلمات الثناء والإعجاب أدت بدورها إلى المتابعة والمثابرة مع التطوير المستمر».

خلال هذا العالم الكبير الذي نسميه رواية تمر ومضات ساخرة، فضخامة هذا المنتج الفكري والأدبي بشرائحه الزمنية والسكانية والديموغرافية والاجتماعية وغيرها، لا يمكن أن تستمر بشريحة واحدة، بل يتخللها تنوع اجتماعي وكوميدي قريب من الواقع

الأنثى بالنسبة له محرض للإبداع الأدبي بمختلف أجناسه بحسب تعبيره، حيث قال: «الأنثى هي محرض دائم لمختلف الأجيال، ومن المعروف أن الشعراء لا تموت لديهم العواطف، بل تتحول من نوع إلى آخر، وتزداد قوة وفقاً لطبيعة معينة فيزيولوجية كانت أم فكرية، وتصبح جياشة ومحفزة للأفكار والإبداع الأدبي، فتنتج دفقات أدبية تترجم كلمات على الصفحات، وتحمل بين حروفها تلك المشاعر».

من أعماله الروائية

وعن كتابته لأكثر من جنس أدبي، قال: «أرى أن التنوع وعدم الاستقرار على جنس أدبي واحد غنى كبير، بدليل وجود الكتّاب والأدباء العالميين، فلا يوجد اختصاص بالأدب كما الطب أو الهندسة، والدفقات الأدبية تخرج من الأديب من دون أذن أو دعوة؛ لأنها حالة من الشعور والعواطف والهواجس، وهنا أذكر أنني شاركت بمسابقة أدبية أعلنت عنها صحيفة "البعث"، فتفوقت بقصتي على مقرر جمعية القصة في اتحاد الكتاب القاص "فاضل السباعي"، وهذه كانت البداية في الانطلاقة إلى كتابتها، ولفت انتباهي حينئذ أن الأدب الساخر هو أقرب أنواع الأدب إلى النفس البشرية، والأقدر على تقديمك للآخرين، وكان لي في صحيفة "تشرين" شبه زاوية بهذا الخصوص، وكذلك في "البعث" والملحق الثقافي، وحجزت لنفسي مقعداً في الأدب الساخر السوري».

ويضيف: «انطلقت في أعمالي إلى الأدب الساخر بروح متجددة، بدءاً من العناوين، ومنها: "الهزيمة الأولى للعتابا"، و"ثمن قبلة عزيزة"، و"سفارة جحا"، ورواية بعنوان: "نهاية كلب أزعر"، ومجموعة قصصية بعنوان: "الطاووس الذي تعلم النباح"، وجميعها كانت إصدارات متوافقة مع مراحل زمنية معينة؛ فالأدب الساخر ليس طرفة نتداولها، إنما هو معالجة موجودة في شخص الكاتب وتربيته ضمن نمطية ذهنية معينة ومدروسة، وتشمل أيضاً مفرداته الخاصة بثقافته ومخزونه الفكري، لتكون أدواته الخاصة والفردية، وأنا ابن هذا القاع الاجتماعي الذي يحتوي كل شيء، لذلك تبنيت لغته ومفرداته لأنسج حكايات ساخرة جميلة».

الأديب علي ديبة

وبالنسبة للأعمال الروائية، قال: «خلال هذا العالم الكبير الذي نسميه رواية تمر ومضات ساخرة، فضخامة هذا المنتج الفكري والأدبي بشرائحه الزمنية والسكانية والديموغرافية والاجتماعية وغيرها، لا يمكن أن تستمر بشريحة واحدة، بل يتخللها تنوع اجتماعي وكوميدي قريب من الواقع».

وتابع: «تربيت منزلياً على ثقافة السينما، وأثرت في شخصيتي الأدبية كثيراً؛ لذلك يمكن للمتلقي أن يرى في روايتي فيلماً سينمائياً متكاملاً وجاهزاً للتعامل معه، وأيضاً المسرح هو أحد هذه الفروع، ينمي الحوار ليكون في النهاية خطاباً جماهيرياً مسرحياً؛ لذلك المسرح لدي كوميدي بالمطلق؛ لأنه مكان خصب، فلدي عمل مونودرامي بعنوان: "حامد شماميس العائد من الموت" وعلى عاتقه ترمى جميع القضايا الاجتماعية، ومن أعمالي المسرحية "الفنشار"، وشخصياً أعمالي المسرحية متميزة، لأنني أرى المسرح أهم خطاب مباشر مع الناس، ومن خلاله طرحت قضايا جريئة».

من أعماله القصصية

وفي لقاء مع الأديب القاص "رمضان إبراهيم" أكد أنه تفاجأ بالروح المرحة والابتسامة التي تعلو الوجه الأسمر للأديب "علي" عندما زاره في مكان عمله الخاص، وأضاف: «تنوّعت ألوان المقالات وتعدّدت الجوانب التي تناولها الأديب القاص "علي ديبة" في حياته الأدبية، وفي كثير منها نجد النقد للواقع بأسلوب ساخر محبب في وقت لا تخلو المقالات من التطرّق إلى الحالات الاجتماعية، لكن بأسلوب ناقد لبعض العادات والنظم الاجتماعية، وأحياناً يأتي المقال على شكل صورة تسجيلية حيث التسجيل هو العنصر البارز فيها، لكن لم يغب عن المقال عنصر التخيل، ويترك الأديب لنفسه حرية التنقل بين أطراف المقال أو السرد الحكائي أو القصة المصورة، فيبتعد بذلك عن الحدث الحي المتنامي».

أما الكاتب المسرحي والمخرج "حمدي موصللي"، فقال: «الحديث عن تجربة الأديب "علي ديبة" لا تفيها كلماتي حقها، لأنها مجرد انطباع وإعجاب، فهو كما بقية الأدباء يميل إلى العبثية الواقعية برمزية خاصة، لكنه تميز بعبثيته وفوضاه المنتظمة كما في مسرحيته "الحمقى". هو مسرحي مهم حاول دائماً نبش الواقع وتسليط الضوء على حالات الفساد، وعرّى الجميع ومنهم الكرسي العربي أو السلطة العربية بمختلف مكوناتها وحاشياتها الفاسدة، ولم يكن رمزياً أو متخيلاً، بل كان واقعياً وراصداً يومياً للحدث في لحظاته التاريخية والحالية؛ لذلك يجب أن نتمتع بأعماله المسرحية».

يشار إلى أنّ الأديب "علي محمد ديبة" خريج صف خاص، ومن مواليد "حي الرمل" في "طرطوس"، عام 1951.