وجد في فضاءات الطبيعة -التي ولد وعاش فيها- محرّضاً لكتاباته الأدبية التي عكست الواقع الإنساني، الإبداع برأيه حاجة لتوازن المبدع نفسه، عِشقُ الأرض شغل مساحة من حياته، هو الأديب الصحفي "علي الراعي".

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 14 آذار 2017، فتحدث عن بداياته الأدبية قائلاً: «في "زبرقان" التي ترتاح على كتف الجبل فوق غابة من السنديان العتيق وعين ماء أبصرت عيناي النور، وحيث البدايات الأدبية المبكرة، واطلاعي على الروايات الرومانسية لـ"إحسان عبد القدوس"، و"مصطفى المنفلوطي"، و"جبران خليل جبران" الذي طالما أحسست بأنني أتقمص روحه بطريقة ما، إضافة إلى مطالعة كل ما كتبه "حنا مينة"، ثم عشرات الكتب والروايات خلال سنوات الدراسة الجامعية. كانت بدايتي مع القصة بمجموعة "كومة رماد"، ولم أصدر حتى اليوم سوى القصة، ربما لأنني وجدت في فضائها مختلف الأجناس الإبداعية الأخرى، وربما لانخراطي في العمل الصحفي الذي كان حلمي الكبير، فوجدت أن هذا النوع من الأدب أقرب إلى فنون الصحافة والعمل الصحفي، بل إن الكثير من التحقيقات الصحفية التي لم تجد طريقها للنشر تحولت إلى قصص قصيرة».

لم تقتصر حياتي على الكتابة، لي علاقة وثيقة مع الطبيعة والبئية، إلى جانب اهتمامات زراعية كثيرة

ويتابع عن تعريفه للأدب وأسلوبه بالكتابة، وأهم ما تركز عليه كتاباته: «يصير الأدب إبداعاً عندما يكون أدباً حقيقياً، عندما يُقدم ولو إضافة بقدر ميلمتر واحد في هذا الفضاء الإبداعي الواسع، وكتاباتي تدخل في شواغل الهمّ الإنساني العام. بكل الأحوال أنا أكتب الأدب من بوابة الصحافة، وأجده العالم الشفاف الآخر لها، لكن بأسلوب أقرب إلى البساطة، وكأنها الكتابة التي تكتب وتأتي من دون جهد، تماماً كجريان السواقي، بكل هدوئها وحيرتها وألغازها وسحرها وإعجازها معاً».

من إصدارانه

إصداراتي تنوعت حتى اليوم ما بين كتابة القصة القصيرة على اختلاف أنواعها، وبين النقد التشكيلي الذي يُقارب الحركة التشكيلية والمشهد التشكيلي في "سورية"، فكانت مجموعة "كومة رماد" في القصة القصيرة الصادرة عن دار "قرطاج" في "طرطوس" منتصف تسعينيات القرن العشرين، ثم كانت مجموعة "كمواويل" عن دار "بعل" في "دمشق" عام 2010، وفي عام 2016، صدر كتاب "دروب في المشهد التشكيلي السوري" عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وفي 2017 صدر كتاب "الطواحين"؛ وهو دراسة جمالية في رحلة رغيف الخبز عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وقيد الطباعة كتاب في النقد التشكيلي، وآخر في القصة القصيرة، وعلى الرغم مما بحوزتي من عشرات القصائد التي تكفي ديوانين، ليس ثمة حماسة لإصدارها في كتاب، ولا أعرف السبب».

ويتابع عن نشاطاته الأدبية وأهميتها بالنسبة إليه: «لم تقتصر مشاركاتي الأدبية على المراكز الثقافية فحسب، لي نشاط برابطة القصة القصيرة جداً في "سورية"، نصدر أسبوعياً عشرات القصص الفائزة لأعضاء الرابطة التي تفوز في مسابقاتها الدورية، كما نظمت أكثر من ملتقى للقصة القصيرة جداً في أكثر من محافظة سورية، بعضها نقيمه دورياً كما في "الملتقى السنوي للقصة القصيرة جداً"، بالتعاون مع جمعية "عاديات طرطوس" في شهر نيسان من كل عام، وبالتأكيد هذه المشاركات لها انعكاس على كتابات القاص، فهي تزيد من تطويرها، وعدم ركونها لشكل وبنية واحدة، وذلك من خلال الاطلاع الدوري والتفاعل مع نتاج الزملاء والأصدقاء، ولاسيما مع سهولة النشر، الذي أخذ طابع التنظيم في مجموعات خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي».

خلال إحدى مشاركاته الأدبية

ويضيف عن رأيه بالمنتديات الثقافية الإلكترونية وأهميتها: «يبقى الإصدار الورقي المطبوع هو الأهم، لأنه الأقرب إلى الروح، والأكثر ثقة وأماناً، لكنني مع ظاهرة النشر الإلكتروني على اختلاف تنويعاته، لأنها أتاحت المجال للمواهب الأدبية أن تنشر ما عندها، كما كان لبعض الملتقيات الأدبية دوراً مهماً في الاطلاع على تجارب الآخرين، والتعرف عن كثب إلى تجارب جادة وجديدة».

يضيف "الراعي": «الإبداع حاجة إلى توازن المبدع نفسه، ولأنه إبداع، فهو يهمّ الآخرين أيضاً، هو الأنا المنتشرة في "النحن"، وإلا ليس إبداعاً، الفرق بين المبدع بين الإنسان غير المبدع إن لدى الاثنين ذات المشاعر والدوافع والهواجس، غير أن أهمية المبدع تكمن في ملكة التعبير عن شواغله وصياغتها جمالياً».

الأديب ناظم مهنا

وعن رأيه بتأثير الأدب العربي ببقية الآداب، والعكس، قال: «هذه علاقة جدلية قائمة منذ عصور بعيدة، منذ التأثر والتأثير الجميل بين الفينيقية مثلاً واليونانية على ضفتي المتوسط في العصر الهلنستي، ثم تأثير أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران" بجحيم دانتي الإيطالي، كما أثرت الآداب العالمية في الكثير من تجارب المبدعين في العالم العربي، حتى كادت أن تتطابق معها، كبعض قصائد النثر، وكأننا نقرأ قصائد مترجمة عن لغات أخرى، وهكذا تأثر الكثيرون من الروائيين العرب بالواقعية السحرية لدى كتاب أميركا اللاتينية، والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا المجال، ولاسيما في السينما، والمسرح، والفن التشكيلي».

وعن الكتّاب الناشئين، يقول: «لا يمكن لأحد أن يقدم نصيحة في هذا المجال، فقد يتفوق الناشئ في الإبداع على الأساتذة، كما أن الجميع تلاميذ في صفوف الإبداع، "محمود درويش" نفسه يعترف بأنه تأثر كثيراً بتجارب وكتابة الكثيرين ممن كتبوا بعده وقبله، واستفاد منها».

ويختم "الراعي" بالقول: «لم تقتصر حياتي على الكتابة، لي علاقة وثيقة مع الطبيعة والبئية، إلى جانب اهتمامات زراعية كثيرة».

رئيس تحرير مجلة "المعرفة" الأديب "ناظم مهنا"، قال عنه: «هو صديق جدّي جداً بعمله، يحاول أن يكون عمله دائماً على أكمل وجه، اطلعت على بعض كتاباته التي تعنى بالتراث وبعض قصصه والمتفرقات، هو شخص موهوب ويراهن عليه».

أما الشاعر "صقر عليشي"، فقال عنه: «تمتاز كتاباته بالحيوية والروح الساخرة، له طريقته باقتناص اللقطات الذكية اللماحة، يضع يده على الجرح مباشرة، ويقدم لنا جواً من الفكاهة المحببة. أما كصحفي، فهو يستطيع أن يوصل رأيه بسلاسة، يمتاز أسلوبه بالتهكم الجميل، لذلك نقرأ مقالاته بمتعة ونحن مبتسمون، قصصه تمتاز بالقصر المتقن، فهو يقدم في سطور قليلة فكرة وموقفاً وحكاية».

يذكر أنّ "علي الراعي" من مواليد حزيران 1967.